السلطة تتخبّط في وحول الفساد تحت مجهر الانتفاضة

رائد المصري

لن يقدروا على فعل أكثر مما ارتكبته أياديهم السوداء بحق أبناء جلدتهم، وها هم اليوم أتوا بحكومة كواجهة يتلطُّون خلف المسرح السياسي ويريدون منها إجهاض انتفاضة الشعب اللبناني في إجراءات قمعية بأداتين: الأداة الأولى وتمثِّلها القوى الأمنية والعسكرية، والأداة الثانية تمثلها قوى الميليشيا التابعة لكلِّ أحزاب السلطة التي تنزل إلى الشارع عند أيِّ ضيق وتعثُّر يصيب عَصَبَها الحاكم كما حصل في جلسة الثقة البرلمانية، عندما نزلت بُغية الاعتداء بالضرب والترهيب بحقِّ المتظاهرين السلميين لمَّا استشعروا بأنَّ النصاب في برلمان الأمة لن يكتمل، فكانت السرقة وضرب العمل الدستوري وانتظام مؤسساته.

مهمة الحكومة الجديدة إجهاض هذه الانتفاضة التي تخص كرامة الإنسان في لبنان، وإدارة تفليسة الدولة تمهيداً لبيعها، ونحن على موعد قريب من استحقاقات اليوروبوند والطلب من البنك الدولي التدخّل التقني لخصخصة وبيع أي أصول حكومية متبقِّية بعد أن يتمِّموا مشروع السمسرة في بيع سندات الخزينة التي هبطت إثر إفلاس الدولة، فتُحقِّق هذه السلطة أرباحاً في الوقت الضائع مع سماسرة المصارف ما يفوق الـ 400 مليون دولار أميركي... فهل يعرف الشعب اللبناني ماذا يدور في خلد شياطين السلطة الذين باتوا، وبالعلن، متورِّطين في سرقة الناس والمال العام، أو بالحد الأدنى شهوداً على أكبر جريمة إنسانية في التاريخ؟!

ما الأسباب الداعية لهذه السلطة لأن تسيِّج البرلمان والحكومة ببلوكات إسمنتية خوفاً من اختراقات المتظاهرين؟ وما الذي يُضطرهم ليتسللوا إلى البرلمان خلسة وخوفاً من الناس ليشرّعوا وليمنحوا الثقة للحكومة والبلد على أبواب تفليسة وأزمة كبيرة قد تطيح بالكيان؟ هل هي المسؤولية الوطنية؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا لم يعلُ منسوب هذه المسؤولية في وجه الفاسدين والسارقين؟ لقد كشفت ثورة الشعب اللبناني زيف هذه السلطة وأحزابها بكافة تلاوينها، فمنهم من أمَّن نصاب الجلسة وهي منقوصة طبعاً، ومنهم من أمَّن الثقة ومنحها، وهذا دليل على أن الكل متورط بنهب البلد وتحويل الأموال إلى الخارج... ولنا معهم حساب آخر بعد.

عندما ضربْنا العصب المالي المتمثِّل بالمصارف وارتكاباتها القاتلة للناس، الْتفَّت أفاعي أحزاب السلطة وقواها الحيَّة مع بعضها واستنفروا ميليشياتهم وأزلامهم دفاعاً عن المصرف وعن الحاكم. وعندما ضربْنا مؤسَّسات الرقابة التي لا تقوم بدورها لمنع الفساد ومحاسبة الفاسدين، أقاموا الأسْيِجة المذهبية حولها ومنعونا من الوصول.

وعندما طالبنا بالدولة المدنية التي تحكم فيها سيادة القانون، تحفَّظوا على قولنا واتَّهَمونا بالعمالة للخارج والعمل وفق الأجندات الخارجية الخفية الأميركية والصهيونية. وعندما أبقينا على تحركاتنا السلمية في الساحات أرادوا محاصرتها ببلوكات إسمنتية والتضييق على الناس الجائعة والموجوعة... كلا، لن تحكموا ولن تفلتوا من العقاب... فكلكم يعني كلكم حتى الشهود منكم... فالسكوت عن جريمة العصر هو جريمة، وهذه نظرية علمية ونهج متعارف عليه.

لدى الحكومة القمعية اليوم استحقاقات كبيرة للبنك الدولي والدائنين، وهي أمام امتحان شديد في المال والاقتصاد والهيكلة، والعلاقة مع سوريا والنازحين السوريين، وملفِّ الكهرباء والأملاك البحرية والمشاعات المنهوبة، والنفايات، ومافيات الاستيراد النفطي، وهي كلُّها داهمة... نتحدَّى أن تكون سلطة الأحزاب هذه قد عالجت ملفاً واحداً من هذه الملفات، في ظلِّ بقاء نظام التحاصص الطائفي والمذهبي، وفي ظلِّ تورُّط جميع من كان في السلطة التي نَهبَت وسرقت وأفْلَسَت وهرَّبَت، وما زالوا يستخدمون مصطلحات رنانة فيها ما فيها من تعصُّب عنصري كـ"الحراك الحقيقي" و"الحراك النظيف" وغيرها، وكأنَّ الناس تعمل في دواوينهم ودكاكينهم.

الثورة باقية يا من زوَّرتم أدوية السرطان وقتلتم المرضى وحمَيتُم مافيات الدواء الإحتكارية.

الثورة باقية يا من نهبتم أموال الناس والمودعين الفقراء في البنوك.

الثورة باقية يا من قُمتُم بالسمسرات والصفقات لتفريغ الميزانية العامة للدولة.

الثورة باقية يا من أقَمتُم المحميات والجدران المذهبية والطائفية وأشعلتم الحروب وجولات القتال.

أليست هذه أفعالكم؟ قولوا لنا من حكم منذ 1992 لنقُل لكم من أنتم.