الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

موتها أضاء على معاناة المتحوّلين جنسيّاً في لبنان... سوزي نفضت غبار الألم ورقدت بسلام

المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
أسرار شبارو
موتها أضاء على معاناة المتحوّلين جنسيّاً في لبنان... سوزي نفضت غبار الألم ورقدت بسلام
موتها أضاء على معاناة المتحوّلين جنسيّاً في لبنان... سوزي نفضت غبار الألم ورقدت بسلام
A+ A-

موتها أضاء على معاناة المتحولين جنسياً في لبنان، وذلك بعدما ذاقت الموت في حياتها آلاف المرات: نبذٌ من عائلتها وفقر وتشرد وحرمان... رحلت سوزي بعدما حاولت إيصال صرختها ووجعها إلى الناس، علّ من يرأف بحالها وينتشلها من وكر الآلام، ليصل صوتها قبل وفاتها بسنوات إلى عدد من الجمعيات، فتمّ تأمين منزل لها بعدما كانت تعيش بين النفايات، ولقمة عيش كريمة كي لا تنام من دون طعام.

مرارة الحياة

نعم، أفرحت سوزي الناس بإطلالتها وحديثها عبر الشاشات، إلا أن هدفها لم يكن الشهرة بل يدٌ تمتدّ إليها وتنقذها من بحر الأوجاع. وبالفعل توجه أشخاص من جمعية "proud lebanon" سنة 2017 بعد مقطع فيديو نشر لها وهي تطلب طعاماً، وبحسب ما شرحه رئيس الجمعية برتو مكسو لـ"النهار": "لم نجدها عند صديقتها المتحولة جنسياً في منطقة الكرنتينا، حيث أطلعتنا أنها طردتها وأصبحت تسكن في مبنى مهجور في منطقة المرفأ، وبعد عملية بحث عثرنا عليها جالسة على أكياس النفايات غارقة بدمها بسبب تناولها دواء من دون طعام أدى إلى تمزق معدتها، لا إضاءة ولا نوافذ تحميها من حرارة الطقس، تواصلنا مع الصليب الاحمر، فحضر ونقلها إلى مستشفى رفيق الحريري، كما تواصلنا مع المركز اللبناني لحقوق الانسان الذي تابع حالتها واستأجر لها منزلاً لأن لا قدرة لنا على ذلك، من دون أن ننقطع عن زيارتها وتأمين حاجياتها".

طريق معبّد بالأشواك

سوزي ابنة جويّا الجنوبية من أمّ يونانية عانت، كما قالت الاختصاصية الاجتماعية في "المركز اللبناني لحقوق الانسان" سارة الحج، "منذ طفولتها بعد طلاق والديها وسفر والدتها إلى بلدها، وفي سن المراهقة بدأت تكتشف هويتها الجنسية وخياراتها، فلاقت رفضاً من عائلتها. اقترح والدها سفرها عند أمها، وبالفعل حصل ذلك حيث تابعت دراستها قبل أن تعمل في عرض الأزياء، استطاعت أن تجمع مبلغاً من المال قبل أن تتعرف إلى شخص أحبته؛ غدرها وأخذ منها كل ما تملك"، وأضافت: "نعم، استقبلتها والدتها إلا أنها لم تكن متقبلة الظروف التي اختارت أن تكمل فيها طريقها، وبعد وفاة الوالدة، عادت سوزي إلى لبنان، لكن تواصلها انقطع مع عائلتها في وطنها حين رأوها اتخذت شكل أنثى، الأمر الذي فرض عليها السير في طريق السوء، حيث توقفت في مخفر حبيش عدة مرات وتعرضت للضرب والتعذيب، كما تعرضت للضرب على الطريق والاستغلال، إضافة إلى التنمر الذي أثّر كثيراً على نفسيتها".

"جمعيات عدّة قدّمت المساعدة لسوزي لا سيما بعد ظهورها على وسائل الاعلام، من خلال إيجار المنزل وفرشه ومتابعة وضعها الصحي، لكن لا يوجد جمعية تستطيع الاستمرار في تغطية نفقاتها وقتاً طويلاً إذ يوجد عدد كبير من المحتاجين، كما أن سلوكيات سوزي لم تكن تساعدها على البقاء في منزل واحد، بسبب خلافاتها مع الجيران وعدم تقبل المجتمع لها، مع العلم أنها لم تكن تشكل خطراً أو أذية على البيئة المحيطة بها"، قالت الاختصاصية النفسية في المركز اللبناني لحقوق الانسان ساره الحج، وتابعت: "تابعتُ حالة سوزي خلال السنة ونصف السنة الماضية مع العلم أن مركزنا كان يتابع حالتها منذ سنوات طويلة".

"ناشطة في حقوق العابرات"

لجنة الترانس- حلم نعت سوزي في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي بالقول: "كانت سوزي ناشطة في حقوق العابرات والعابرين والعاملات بالجنس، بحيث كانت حياتها اليومية عبارة عن نضالٍ مستمر في وجه القمع، الفقر، العنف، والتشرد الذي يعاني منه العديد من أفراد مجتمع الميم نتيجةً للتمييز القائم على كسرهن/م لنمطية المجتمع اللبناني. ومع ذلك، القوة، الكرامة، والجمال كانت الصفات الثلاث التي سعت (سوزي) للمحافظة عليها رغم المساعدات المحدودة التي كانت تحصل عليها، بقلبٍ محبط، محنق، وحزين"، وأضافت: "يؤسفنا فشلنا وفشل كافة أفراد وجمعيات ومجموعات ومؤسسات مجتمع الميم والمجتمع المدني في مساندتها و/أو مساعدتها على عيش حياة آمنة وكريمة. بالرغم من العديد من المحاولات والمبادرات المشكورة لم نستطع معالجة وضع سوزي بشكل كامل وتأمين كامل حقوقها المدنية والإنسانية. ويا ريت حصلت سوزي في حياتها على نسبة ضئيلة من المحبة التي يعبّر عنها الآن بعض الأفراد والمؤسسات على صفحات التواصل الاجتماعي بعد وفاتها. لعل السماء أولى بها من مجتمع الأرض"، وختمت: "أما رسالتنا إلى أصحاب القرار ودولة لبنان التي عنّفت وهمّشت سوزي والكثير من الزملاء والأخوات/أخوة اللواتي والذين فقدناهن/م، والتي رفضت تقديم أي نوع من الدعم والخدمات، نقول إننا لن ننسى ما عاشته سوزي والذي يعيشه المئات من العابرات والعابرين، وسنستمر في عملنا ونضالنا للتأكيد على كامل حقوقنا، حقنا بالعيش سواسية مثل باقي المجتمع، حقنا بالأمان، والعيش بكرامة".

رفض المجتمع

إذا كان "المتحولون جنسياً يعتبرون أنفسهم محبوسين بجسد ليس لهم، لذلك يخضعون لعمليات تحوّل لا سيما في تايلاند لكي يشبهون ما يشعرون به"، فإنهم يعانون، كما قالت الحج "رفض المجتمع والتنمر والاستغلال، فالمجتمع يعتبرهم شاذين لا يشبهوننا ويجب الابتعاد عنهم، لكن للعِلم فإن الاشخاص الذين لديهم هوية جنسية مختلفة عن الطبيعة يعود ذلك إلى عدة أسباب منها الطبية والاجتماعية، لكن بالتأكيد ليست نفسية، فالمثلية ليست مرضاً نفسياً".

بذبحة قلبية لفظت سوزي آخر أنفاسها عن عمر ناهز 66 سنة. تكفّلَ بمراسم دفنها "المركز اللبناني لحقوق الإنسان" وجويل بدر (متحولة جنسياً)، ولفتت ساره إلى أن "جويل نفّذت وصية سوزي التي طلبت وضع جثتها بتابوت زهري قبل أن توارى في الثرى في مدافن بئر حسن وليس شاتيلا كما كان مقرراً، وذلك بحسب مذهبها".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم