الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

واجهت المرض قبل أن تتعرّف إليه... مجدلا رحلت على صوت الموسيقى

المصدر: "النهار"
إسراء حسن
إسراء حسن
واجهت المرض قبل أن تتعرّف إليه... مجدلا رحلت على صوت الموسيقى
واجهت المرض قبل أن تتعرّف إليه... مجدلا رحلت على صوت الموسيقى
A+ A-

توفّيت، أمس، فنانة الزمن الجميل، مجدلا، بعد صراع قصير مع المرض من دون أن تعرف في الأيام الأولى حقيقة مرضها، وفضّلت ابنتها التي سُمِّيت على اسم والدتها الفني مجدلا، أن تُبقي الابتسامة على وجه والدتها قدر الإمكان، وتروي الإبنة مجدلا لـ"النهار": "اكتشفنا مرض الوالدة في كانون الأول الماضي، شعرت بألم فتوجّهت إلى المستشفى حيث اكتشف الأطباء ورماً قطع مراحل متقدّمة جداً، أبلغناها بأنّ موضوعها الصحي متعلق بالمرارة وليس عليها أي خطر". وتؤكد أن اللحظة التي علمت فيها وعائلتها بالمرحلة المتقدمة التي وصلت إليها والدتها مع المرض، "جاء القرار بإخفاء الحقيقة والعمل على زرع البسمة على وجهها في أكثر مدة متبقية".

حافظت مجدلا على نشاطها المعتاد، وساءت حالتها في عيد الميلاد بشكل سريع، فما حصل معها نادر جداً، وفق ما تؤكد مجدلا: "لم نفهم ما حصل، حتى أنّ الأطباء تفاجأوا من السرعة التي تدهورت فيها صحتها". اللحظات الأخيرة مع الأم التي كرست حياتها لابنتها وابنها (مجدلا ونضال) وشعرت بسعادة لا توصف بالأحفاد، كانت مليئة بعناصر حياتية تشبه مجدلا: "بقيت تردد بأنّ "الدني ما فيا شي، الحياة قصيرة ما بتحرز تزعل"، وترفع من معنويات كل من حولها، قلبها كريم".

مجدلا تحمل اسم والدتها، التواضع والكرم صفات اكتسبتها منها ومحبة الناس.

عادت الفنانة مجدلا في العام 2003 إلى لبنان بعد سنوات أمضتها في فرنسا، وعادت معها مجدلا الصغيرة العام 2006 المقيمة في فرنسا، ولكن تتنقل مع زوجها من بلد إلى آخر. لازمت والدتها من كانون الأول، غادرت لبنان إلى تونس للاطمئنان على أولادها بعدما أخذت تطميناً من الأطباء بأنّ صحة والدتها لن تتدهور في هذه الأسابيع، لكنّ إلهام مجدلا الصغيرة دفعها إلى أن تأتي فترة أقصر: "الخميس الماضي أتاني إلهام بأن والدتي ستتوفى قبل الثلثاء المقبل، ولأنني مؤمنة كثيراً، فيما كنت أصلي أتاني إلهام بأن والدتي سترحل. استقليت أول طائرة من تونس باتجاه لبنان ووصلت ظهر أمس وتوجهت إلى المستشفى حيث بقيت جانبها كل الوقت، وضعت رأسي على كتفها، واخترت لها الموسيقى المفضلة لديها، رحلت عند التاسعة من مساء أمس ممسكة بيدي ويد شقيقي نضال".

[[embed source=instagram id=https://www.instagram.com/p/BjkOQ3UgH5E]]

اسمها الحقيقي نزيهة مكرزل، وهي ابنة رجل السياسة إيليا مكرزل. من الكحالة كانت الانطلاقة، حيث ترعرت في بيت مفتوح أمام الشخصيات الفنية والسياسية، والمحافظ على عاداته وتقاليده تجاه العائلة.

حافظت مجدلا على رقيّها حتى آخر أيامها، من دون أن تؤثّر الشهرة على بصيرتها، لأنّ شغفها كان لأجل الفن وليس طمعاً بالشهرة التي لم تسعَ وراءها كونها كانت تعيش النجومية قبل المرحلة الذهبية في "بعلبك".

وقفت على أدراج بعلبك للمرة الأولى عندما كانت في العشرين من عمرها. وتقول في مقابلة أجرتها معها الزميلة عبير شرارة عبر تلفزيون لبنان في برنامج "خوابي الكلام" في العام 2018، إنّ حياتها في تلك الفترة كانت من "المدرسة إلى قلعة بعلبك".

من الترتيل إلى القلعة

كانت مجدلا تنتمي إلى جوقة في المدرسة التي اكتشفت موهبتها، فكانت ترتل وهي في السادسة عشرة من عمرها ويُسمع صوتها في الاذاعة اللبنانية. شاءت الصدف وسمعها في إحدى المرات الفنان روميو لحود ترتّل في الكنيسة، وكان مطلوباً منه حينها بأن يأتي بوجه جديد يعتلي مسرح بعلبك بعد الفنانة فيروز والشحرورة الراحلة صباح.

سأل حينها روميو عن صاحبة الصوت، وعندما علم بأنها ابنة إيليا مكرزل، توّجه إلى منزل الأخيرة برفقة الشاعرة ناديا تويني والفنانين زكي ناصيف ووديع الصافي، طالباً من والدها الإذن بأن يتبنّاها ويكون عرابها في عالم الفن، ليقدّم عرضه الأول الكامن بوقوفها على أدراج مهرجانات بعلبك. معارضة والد مجدلا كانت حتمية في البداية، كان خائفاً من أن يتم استغلال ابنته من عالم الفن خارج أسوار منزله، لكن هذا الرفض تبدد بعدما وافق على مشاركتها فقط في المهرجانات.

النشاط الأول لمجدلا كان في مسرحية "الفرمان" عام 1970، من تأليف الشاعرة نادية تويني ومشاركة الممثلين والفنانين أنطوان كرباج، جوزف عازار، سمير يزبك، نبيه ابو الحسن، شوشو، عصام رجّي، فرقة كاركلا، وتوزعت الألحان في هذا العمل ما بين زكي ناصيف وروميو لحود وعصام رجي، حيث خضعت مجدلا لبروفات على مدى ستة أشهر درّبها على الغناء حينها الفنان زكي ناصيف، وعلى التمثيل الفنان أنطوان كرباج.

مجدلا كان تنوي الدخول إلى عالم الرهبنة رغماً عن عائلتها، وهي عادت عن قرارها بعد الصدمة التي تلقتها والدتها لحظة علمها بنيتها السفر ودخولها عالم الرهبنة، ولمّا علمت بأنّ الحالة الصحية لوالدتها حرجة وعلاجها يكمن في بقائها بجانبها، عدلت مجدلا عن قرارها ولازمت عائلتها. تعترف مجدلا بأنّ أحد أسباب انجذابها إلى عالم الرهبنة كان الجانب الموسيقي.

بالعودة إلى انطلاقتها مع الفنان روميو لحود، تشير الفنانة الراحلة مجدلا إلى أن رحلتها معه أفلحت في بعلبك وبعدها على مسرح الأولمبيا بباريس ليتوقف نشاطها بعد معارضة والدها إحياءها حفلاً على خشبة مسرح "المارتينيز" لتعود وتكمل مشوارها إلى جانب الفنانين وديع الصافي ونصري شمس الدين.

اللقاء مع أم كلثوم

عندما التقت مجدلا كوكب الشرق أم كلثوم، لم تكن مواكبة للشهرة التي حققتها الأخيرة، لذلك عندما طلبت منها الغناء في إحدى المناسبات الاجتماعية لم تشعر بالخوف أو الارتباك، بل أعطت كل ما لديها من منوّعات فنية أطربت أم كلثوم، وهو ما دفع بأم كلثوم إلى إسدائها نصيحة: "لا تتزوجي، لديك مستقبل وتتمتعين بكاريزما وصوت يؤدي كل الألوان الغنائية".

اعتزال الفن وزواج

تخلّت مجدلا عن الفن قسراً، وتزامن ذلك مع اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، وتزوجت في العام 1976 نبيل جميل خاطر، وسافرت إلى فرنسا، لكن أضواء الشهرة بقيت تلازمها، ولم تخرجها يوماً من عاداتها وتقاليدها التي جلبتها معها من لبنان إلى مدينة كانّ حيث مكثت. تعترف بأنها لم تتزوج عن حب، لأنها في تلك المرحلة لم تكن تفكّر في هذا المشروع، لكنّ الحرب دفعتها للبحث عن الأمان الذي وجدته بزوجها. غير أنّ هذا الأمان لم يدم، فقد خسرت زوجها جراء تعرضه لسكتة قلبية وهو في عمر الـ 47 عاماً، رزقت منه بمجدلا ونضال.

مرّت مجدلا بمرحلة صعبة من دون أن تستسلم، فقدت زوجها بعد أيام على فقدان والدها، لتصبح أمام مهمة واحدة وهي إعالة ولديها وإيلاؤهما الاهتمام الكامل من دون التفكير حتى بالعودة إلى عالم السحر، عالم الموسيقى والغناء.

أكثر من 20 عاماً في فرنسا والقلب في لبنان... أرشيف خالد

عاشت مجدلا أكثر من 20 عاماً في فرنسا، تكرّمت كثيراً رغم بقائها خارج لبنان، ومع تقدمها في العمر كان دمها يتجدد بالموسيقى. تؤكد بأنّها تعشق اسم مجدلا أكثر من نزيهة اسمها الحقيقي، وتكشف: "أحب مجدلا أكثر من نزيهة، شعرت بانه اسم موسيقي، وأذكر يوم اختارته لي الشاعرة ناديا تويني وكانت الساعة الثالثة صباحاً".

أغنيات الزمن الجميل ليست بحاجة للترويج في زمن السوشيل ميديا، هي حاضرة بجذورها الفنية الأصيلة نتذكر بعضها: تعرف يا قمرنا، عالدرب البعيدة، سهر الليل للموسيقار الراحل ملحم بركات وغيرها.

في مقابلتها مع الزميلة شرارة، عبّرت أكثر من مرة عن رضاها على حياتها، وتكريسها إياها لمجدلا ونضال، كاشفة عن رفضها من فترة ليست بالبعيدة عرضاً تلقته للوقوف مجدداً على أدراج مهرجانات بعلبك، لكنها رفضت حينها لأنها لم تر أمامها سوى عودة يكللها عنوان "الفن التجاري" فرفضت. "ليس المستوى الذي كنت أريده. أغني لأنني كنت أرتل في الكنيسة وهم من اكتشفوني، فأنا لم أشارك في برنامج "استديو الفن" أو أي برنامج هواة".

هي من الفنانات التي اختارت التوقيت المناسب للانسحاب من الفن ولم تعد إليه رغم عشقها له، معتبرة أنّ "فن اليوم مليء بالحسد والشر، ولست نادمة على شيء".

الدفن والتعازي غداً

يصل جثمان الراحلة ويحتفل بالصلاة لراحة نفسها الثانية عشرة والنصف من ظهر غد الأحد في كنيسة مار أنطونيوس- الكحالة، ثم ينقل جثمانها إلى كنيسة سيدة الخلاص ـ جديتا، حيث يقام صلاة وضع البخور الثالثة بعد الظهر ويوارى جثمانها في الثرى في مدافن العائلة بجديتا.

تقبل التعازي قبل الصلاة وبعدها في صالون كنيسة مار أنطونيوس الكحالة من العاشرة صباحاً، وبعد الدفن في صالون كنيسة سيدة الخلاص ـ جديتا لغاية السادسة مساء.

وأيضاً تقبل التعازي الإثنين في صالون كنيسة مار أنطونيوس ـ الكحالة، من الحادية عشرة قبل الظهر إلى السابعة مساء. والثلثاء في صالون كنيسة سيدة الخلاص- جديتا من العاشرة صباحاً إلى الرابعة والنصف بعد الظهر.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم