الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أندريه الحاج جرَّد الموسيقى من إيقاعاتها: الاحتفاء بالمخاض

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
أندريه الحاج جرَّد الموسيقى من إيقاعاتها: الاحتفاء بالمخاض
أندريه الحاج جرَّد الموسيقى من إيقاعاتها: الاحتفاء بالمخاض
A+ A-

الموسيقى في النهاية، علاج. تُشبه الكتابة، مُطعَّمة بأنغام وإيقاعات. يعمّ إحساسٌ بكآبة الأشياء، وبأنّ أيادي تمتدّ إلى الرقاب فتخنقها. انقطع المايسترو أندريه الحاج نحو ثلاثة أشهر عن قيادة الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية. حين يجوع المرء، لا تُشبع "الدو ري مي" معدةً خاوية. تتبدّل الأمزجة، وتتحوّل محاكاة لمزاج عام سوداويّ مضطرب، معطوب الروح. يصبح ارتياد الحفل في ذاته مشقّة، فشيءٌ في الداخل معقود، يُكبّل الحركة. يتجدّد اللقاء، بعد غياب، على مسرح بيار أبو خاطر في جامعة القديس يوسف، بعنوان "ويبقى الوطن". الموسيقى نجاة. الغرق لم يعد يُحتَمل.

يُقارن قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية أندريه الحاج بين مَهمّة الصحافي على الأرض ومَهمّة الفنان في إسعاد الأرواح. "عليَّ التواجد بحُكم عملي. أشعر بالمسؤولية حيال الناس. كان لا بدّ من التوقُّف احتراماً لصرخة الشارع. لبنان اليوم جرح. حزنٌ عميق. إنسانه مشغول بلقمته وكرامته. بعد ثلاثة أشهر، عاد. "أردتُ كسر الخوف. قدّمتُ موسيقى بلا إيقاع. إنّها المرة الأولى في العالم العربي تُقدّم فيها أوركسترا موسيقى مُجرّدة من الإيقاعات. لا دفّ ولا طبل ولا أي آلة إيقاعية". كان ذلك احتفاء بالمخاض اللبنانيّ من دون الرقص على الأنقاض. يغيب الغناء، فتبقى الروح المُرهَفة، المُتطايرة في فضاءات مُضاءة بنجمة. تعلو الموسيقى فوق الجرح الإنسانيّ الآخذ في النزف بشدّة، فتعزل الداخل، حيث الاحتفاء، عن الخارج، حيث صخب الساحات.

ظلّت في البال خشية الدوس على مشاعر المجموعة اللبنانية المتورّطة في دوّامة الغرق. "أعلمُ أنّ البعض قد يقول ما بالهم ينشغلون بالموسيقى، فيما لبنان ينهار؟ أردتُ الموسيقى في مواجهة الانهيار. كنوع من خرق. ولو عاد الأمر لي لأتيتُ بالأوركسترا للعزف في ساحات الثورة. مطالبها مُحقّة وناسها أملٌ بوطن أفضل. حتى بالحروب الكبرى، لم تكفّ الأوركسترا عن العزف. عدنا لكسر خوفنا".

مرَّت على الفرقة مشاعر إحباط، فحاول الحاج التفهّم والمدّ بالدفع المعنويّ إلى الأمام. الموسيقيون جزء من مأساة الاقتصاد اللبناني، يكدّون للعيش ويصطدمون بقسوة الواقع. أراد قائد الأوركسترا حضّهم على العطاء العذب ولو على سبيل التسلية، فقدّموا معاً عرضاً نال التصفيق الحار. يحضر زياد الرحباني بمقدّمة كتبها في العام 1974 لبرنامج "آثار على الرمال" ("تلفزيون لبنان")، كأنّها كُتبَت لليوم. تعاطفَ الحضور. وقدَّم أيضاً مقطوعة للأخوين الرحباني ولمؤلّف لبنانيّ مقيم في ألمانيا هو جلبير يمّين. مقطوعات أخرى، كلّها مُجرَّدة من الإيقاعات. كلّها خالية من الدربكة، طوال ساعة. الموسيقى شفاء. تعاسة أرواحنا ليست قدراً.

اقرأ أيضاً: "لبنان فلبنان" كتابُ الوفاء... زافين قيومجيان يلعب باللهب

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم