ملائكتنا والشيطانان الأكبر والأصغر

غسان صليبي

حكامنا يسمّون اعداءنا "شياطين"، ويفترضون ضمنا، انهم ملائكة.

أميركا هي الشيطان الاكبر واسرائيل هي الشيطان الاصغر، لفارق في عمر الدولة وفي القدرة على الشيطنة.

اليوم، تهرّب عدوتنا اسرائيل "صفقة القرن" في واشنطن، بمباركة الشيطان الاكبر، ضد ارادة الشعب الفلسطيني، والبارحة هرّبت "ملائكتنا" اي السلطة اللبنانية، الموازنة العامة في بيروت، بتصويت حوالى ثلث النواب، وضد ارادة معظم الشعب اللبناني.

التهريبة الاميركية لها انعكاس اشمل بالطبع..لكن الشبه الاقوى هو في العلاقة مع الشعبين الفلسطيني واللبناني، من قبل محتل للارض من جهة، يخالف القانون الدولي، ومن قبل سلطة وطنية من جهة ثانية، تتصرف كمحتل للارادة الشعبية اللبنانية، من خلال مخالفة فاقعة للدستور.

لا حاجة لتكرار ذكر ممارسات الشيطانين، العسكرية والاقتصادية الظالمة، في حق الشعوب الاخرى.

ما يهمني هنا ، هو المقارنة بين سلوكي "الملائكة" و"الشياطين"، في ما يخص العلاقة بشعوبهم.

ما يستدعي المقارنة ليس فقط الحدثان المتزامنان اعلاه، بقدر ما هو تزايد الممارسات السيئة للسلطة اللبنانية. فعندما تتزايد سيئات سلطتك، لا يمكنك الا ان تتذكر اعداءك.

لن اعود الى التاريخ البعيد لاجري المقارنة، بل الى ممارسات حديثة. فقد سبق لي في مقال سابق في "النهار" ("التطبّع اخطر من التطبيع يا عزيزي")، ان قارنت بشكل عام ، بين سلوكيات اسرائيل وسلوكيات القوى المقاومة لها.

في هذا النص اذا، مقارنة بين بعض الممارسات الحديثة.

العدو الاسرائيلي أجرى انتخابات مبكرة مرتين خلال سنة، وربما يستعد لانتخابات ثالثة، وذلك لتعذر تشكيل حكومة في ظرف اقتصادي عادي، وفي ظل حالة حرب دائمة مع المحيط.

عدو العدو الاسرائيلي، اي سلطة الاكثرية النيابية في لبنان، تعارض إجراء انتخابات مبكرة تطالب بها الانتفاضة، رغم صعوبات تأليف حكومة تحظى بالثقة الشعبية، في ظرف انهيار اقتصادي، وتأزم اقليمي.

يمكننا ان نسمي ذلك عدم تطبيع مع العادات السياسية الجيدة للعدو، ويأتي هذا الموقف، لصالح صورة العدو الديموقراطية.

من جهة ثانية، بنى العدو الاسرائيلي جدارا عازلا مع الاراضي الفلسطينية وآخر على الحدود اللبنانية،

وعدو العدو الاسرائيلي، اي سلطة الاكثرية النيابية عندنا، بنت جدارا اسمنتيا بين الشعب والسلطة في وسط بيروت، وجدرانا مجتمعية بين أبناء الشعب الواحد في بلدة الحدت وغيرها.

يمكننا ان نسمي ذلك هذه المرة، تطبيعا مع العادات السياسية السيئة للعدو الاسرائيلي، لكن هنا ايضا لصالح صورة العدو، على مستوى حرية الاختلاط بين افراد الشعب الواحد.

فلننتقل الى ممارسات الشيطان الاكبر.

الرئيس الاميركي قتل قاسم سليماني، وعرّض شعبه لأخطار الحرب مع ايران، مما حرك المعارضة الاميركية، التي سعت الى منعه من اتخاذ قرار الحرب، رغم ان ترامب يحكم في نظام رئاسي يعطي الرئيس صلاحيات واسعة.

عدو الشيطان الاكبر عندنا، اتخذ قرار الحرب مع الجيش الاميركي في المنطقة، من دون موافقة الهيئات الدستورية، كما ان رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور، يتلكأ عن المبادرة الى اقرار استراتيجية دفاعية، تضع آلية لقرارات الحرب والسلم.

من جهة ثانية، طلب الرئيس الاميركي تدخل رئيس اوكرانيا لدعمه ضد منافسه للانتخابات المقبلة، مما اعتبرته المعارضة الاميركية مخالفة دستورية، وهي تسعى اليوم لعزل الرئيس واسقاطه.

القوى العدوة لاميركا (كما تلك المتحالفة معها) عندنا، تتلقى الدعم المالي من الخارج، وتستخدمه في الانتخابات وفي صناعة موقعها السياسي، في ظل شبه صمت للحلفاء والخصوم السياسيين على حد سواء.

***يقولون ان عدو عدوي صديقي.

ماذا يمكننا ان نسمي عدو عدونا، المتمثل بالسلطة اللبنانية؟

يقولون ايضا، ان الشيطان هو ملاك تمرد على ارادة الله.

ماذا يمكننا ان نسمي "ملاكا" تمرد على ارادة الشعب؟