الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

على أعتاب النظام العالمي الجديد: من حلف وارسو إلى طريق الحرير

د.أيمن عمر ــ باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية
على أعتاب النظام العالمي الجديد: من حلف وارسو إلى طريق الحرير
على أعتاب النظام العالمي الجديد: من حلف وارسو إلى طريق الحرير
A+ A-

حلف وارسو

في 9 أيار 1955 دخلت جمهورية ألمانيا الاتحادية إلى منظمة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وهو ما وجد فيه الاتحاد السوفياتي آنذاك تهديداً حقيقياً له، الأمر الذى أدى إلى نشوء حلف وارسو في 14 أيار 1955 إثر مؤتمر ضم دول الكتلة الشرقية، وانعقد في 11 من نفس الشهر بالعاصمة البولندية وارسو. وقّع على المعاهدة كل من الاتحاد السوفياتي (السابق) وألبانيا وبلغاريا ورومانيا والمجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا (سابقاً). التسمية الرسمية للحلف هي «حلف الصداقة والمساعدة والتعاون». نصت اتفاقية وارسو على أن الدول المنضوية تحت لوائه ستدافع عن أي دولة عضو تتعرض للهجوم من طرف قوة خارجية، وأنشأت لتحقيق ذلك جيشاً وقيادة عسكرية موحدة لقوات الدول المشتركة تحت قيادة المارشال السوفياتي إيفان كونيف، وتنص أيضاً على مرابطة وحدات سوفياتية على أراضي الدول المشتركة. وفي عام 1956 التحقت جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية سابقاً) بالحلف، وحصلت جمهورية الصين الشعبية على صفة المراقب عبر حضور اجتماعات الحلف. وقد هدف الحلف إلى قيام تكتل عسكري ضخم لإحداث توازن قوى في مواجهة الحلف الأطلسي. ومع انهيار حائط برلين عام 1989، وتوحد الألمانيتين وتفكك الاتحاد السوفياتي كان ذلك إيذاناً بموت حلف وارسو، وليتم إنهاء المعاهدة رسمياً في تموز 1991. ولتبدأ حقبة عالمية جديدة أحادية القطب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.

الأوزان الاقتصادية العالمية

بلغ حجم الاقتصاد العالمي 86 تريليون دولار في العام 2018، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 20.5 تريليون دولار وهو يشكل حوالي 23.89% من حجم الاقتصاد العالمي، تأتي الصين في المرتبة الثانية باقتصاد حجمه 13.61 تريليون دولار يمثل 15.86% من الاقتصاد العالمي. بينما يبلغ الناتج المحلي في روسيا 1.64 تريليون دولار يشكل 1.9% من الاقتصاد العالمي، في حين أن إجمالي الناتج المحلي في إيران يبلغ حوالي 430 مليار دولار أي 0.5% من الاقتصاد العالمي. وبالتالي فإن اقتصاديات الدول الثلاث - التي تشكل في ما بينها حلفاً جديداً في مواجهة الولايات المتحدة - مجتمعة تشكل 18.26% من الاقتصاد العالمي، لذلك هي تشكل منافساً حقيقياً للولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي.

بين الاقتصاد والعسكر

يشهد العالم تطورات كبيرة على مستوى موازين القوى الدولية وتأثيراتها العالمية، فنحن أمام بدء أفول الأحادية القطبية الأميركية، وتشكّل نظام عالمي جديد تلعب روسيا والصين المحور المناوئ للرأسمالية الأميركية. وتعدّ المناورات العسكرية بين الصين وروسيا وإيران في 27 كانون الأول 2019 نقطة تحول حقيقي في إظهار موازين القوى العسكرية الدولية ورسالة شديدة اللهجة في وجه الوجود الأميركي في الخليج العربي ومضيق هرمز والمحيط الهندي ووجود الأسطول الخامس الذي يتخذ من البحرين مقراً له، وخاصة بعد صراعات المضائق وتأمين إمدادات النفط العالمية. وتسعى روسيا إلى إعادة بناء حلمها الإمبراطوري القيصري وإحياء دورها العالمي في عهد الاتحاد السوفياتي السابق كقطب منافس للولايات المتحدة الأميركية. أما إيران فصراعها التاريخي الطويل مع الولايات المتحدة والعقوبات الخانقة عليها يفرض عليها أن تتوجه إلى الشرق في تحالف روسي ــ صيني استراتيجي. وبالنسبة للصين وهنا الأهم فإن ذلك يُعد تحوّلاً على المستوى الاستراتيجي، إذ انتقلت الصين بذلك من استراتيجيتها القائمة على الهيمنة الاقتصادية العالمية والاستعمار الاقتصادي إلى بناء قوى عسكرية خرجت من حدودها الداخلية إلى خطوط التماس في الصراعات الدولية. حيث تسعى الصين إلى أن تصبح قوة بحرية كبرى على شاكلة الولايات المتحدة، من أجل تنفيذ طريق الحرير وتأمين خطوط نقل بحرية آمنة لنقل منتجاتها إلى الأسواق الاستهلاكية ولتأمين أيضاً احتياجاتها من النفط والغاز. هذا المشروع الصيني الاستراتيجي الضخم ــ طريق الحرير ــ تسعى من خلاله الصين إلى بناء امبراطوريتها الاقتصادية للسيطرة على الاقتصاد العالمي. ويقوم هذا المشروع على إنشاء شبكات تجارة وبنية تحتية من طرق وموانئ وجسور وخدمات اتصالات ونقل وغيرها لتصل الصين مع آسيا وأوروبا وأفريقيا، حيث من المتوقع أن تصل كلفته إلى تريليون دولار ليشمل هذا المشروع نحو 65% من سكان العالم، وثلث الناتج الإجمالي العالمي، وربع البضائع والخدمات التي تتحرك في العالم، لذلك حُقّ له أن يكتسب صفة "مشروع القرن". ويبدو أن الصين قد أيقنت أن هذا المشروع العالمي لا بد له من وجود قوة عسكرية عالمية تحميه، وخاصة حماية الطرق البحرية فيه التي تعتبر المفصل في تسويق منتجاتها إلى دول العالم. هذا التحول الصيني الاستراتيجي يأتي ترجمة لما ورد في"الكتاب الأصفر للشرق الأوسط" الذي أصدرته الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ودار نشر مراجع العلوم الاجتماعية ببكين، حيث رأى الخبراء الصينيون فى الكتاب، أن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت أعتاب "عصر ما بعد أمريكا"، حيث أتاح تراجع الدور الأميركى فى الشرق الأوسط فرصة للقوى الشرقية، لاسيما روسيا لتعزيز نفوذها فى هذه المنطقة المهمة، وفي الوقت نفسه تزايدت ثقة دول المنطقة فى اتباع طرق تنمية خاصة بها، وبات النموذج الصينى والروسى أكثر جذباً لاهتمام دول المنطقة. لذلك يندرج هذا التحالف الصيني ــ الروسي ــ الإيراني ضمن هذه الرؤية.

وتكتسب منطقة الشرق الأوسط أهمية كبيرة بالنسبة للصين. فقد ازدادت صادرات الصين الى منطقة الشرق الأوسط. وحالياً، حلت الصين محل الولايات المتحدة وأصبحت أكبر الدول المصدرة للشرق الأوسط. وتعتبر الصين أكبر الدول المستوردة لنفط الشرق الأوسط، وتشتري 10% من إجمالي النفط المصدر من دول الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تزداد واردات الصين النفطية بـ500 ألف برميل يومياً في السنوات المقبلة. وبناء على هذه الزيادة الكبيرة، سوف تتجاوز الصين الولايات المتحدة في عام 2030 من حيث واردات نفط الشرق الاوسط، الأمر الذي يتطلب أن يكون لدى الصين القوى البحرية المطلوبة.

إن ما تشهده المنطقة اليوم من عمليات عسكرية وعمليات اغتيال تصب في إطار هذه الانعطافة في بنية النظام العالمي الجديد وهيمنة نفوذ قوى جديدة وكسر الآحادية القطبية، وإننا سنشهد مزيداً من بؤر التوترات واشتعال أماكن مختلفة من العالم مسقبلاً، للدخول في المنظومة الجديدة وتقاسم الحصص والنفوذ العالمي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم