الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

كارلوس غصن لـ"النهار": شكوك اللبنانيين ستُبدَّد وهذه حدود قدراتي في خطة إنقاذ

موناليزا فريحة
موناليزا فريحة
كارلوس غصن لـ"النهار": شكوك اللبنانيين ستُبدَّد وهذه حدود قدراتي في خطة إنقاذ
كارلوس غصن لـ"النهار": شكوك اللبنانيين ستُبدَّد وهذه حدود قدراتي في خطة إنقاذ
A+ A-

بعد المهمات المستحيلة التي أنجزها بدءاً بانقاذ شركة "نيسان" من الافلاس وصولاً الى خروجه الاسطوري من اليابان، يرى الرئيس التنفيذي السابق لتحالف "نيسان - رينو - ميتسوبيشي"، أن إنقاذ لبنان من الأزمة التي يتخبط بها ممكن، ويبدي استعداده لوضع خبراته في تصرف "وزير الطاقة أو الاقتصاد أو المال". لكن رجل الاعمال الذي يقارع بالارقام لا بالأوهام، يقرّ بحدود دور المهارات والكفاءة في مهمة تتطلب قرارات والتزامات سياسية كبيرة.

لا يتطلع غصن إلى أي منصب سياسي، ويقر في حديث إلى "النهار" بأنه ربما بات يشكل في نظر بعض اللبنانيين عبئاً على بلد صغير في مواجهته مع ثالث اقتصاد عالمي. لكن الرجل الذي يؤكد أنه لم يهرب من العدالة، مصرٌّ على تبديد هذه الشكوك بتبرئة ساحته واستعادة سمعته أمام قضاء يكون فيه مكان للدفاع.

في حديثه تحدث غصن أيضاً عن اللحظة الأصعب في الرحلة بين أوساكا وبيروت والكابوس الذي انزاح عنه بعدما رحب به موظف الامن العام اللبناني، وعن الحرية التي يشعر بها في كيلومترات لبنان هو الذي أمضى نصف عمره في الطائرة.

وهنا نص الحديث:

■ كنتَ دائماً قصة نجاح للبنان واللبنانيين. مسيرة خارجة عن المألوف في ثلاث قارات. حالياً، هل تحوّل كارلوس غصن عبئاً على لبنان في أزمته مع اليابان؟

- تركتُ اليابان لأن كل الاتهامات التي وجهت إليّ مركّبة، وهو ما ينفيه اليابانيون. أتفهم أن قسماً من اللبنانيين يعتقد أن الاتهامات ضدي صحيحة، لذا يجب أن يكون هناك مكان ما في العالم لإجراء محاكمة عادلة، في لبنان أو فرنسا أو البرازيل حيث يتوافر حق للدفاع، وعندها إذا تمكنا من إثبات أن القضية كلها تركيبة ضدي، أعتقد أن الشكوك ستتبدد.

■ تقول إنك ستقاتل من أجل دحض الاتهامات الموجهة إليك واستعادة سمعتك. هل تظن أن ذلك ممكن في لبنان؟ ثمة اعتقاد أن قضيتك أكبر من قدرات لبنان.

- كان من الافضل أن تحصل المحاكمة في اليابان. ولكنني وصلت الى اعتقاد مبني على وقائع أن لا حق للدفاع هناك، وأن لا عدالة. كل ما يريدونه هو الوصول إلى إدانتك. تصريح وزيرة العدل في اليابان كان مخيفاً عندما قالت إن على غصن العودة إلى اليابان ليبرهن براءته. يفترض في أي نظام ديموقراطي أن يثبت المدعي العام أن المشتبه فيه مذنب، قبل أن يثبت المتهم براءته.

■ وعدتَ بمستندات تثبت أن الاتهامات الموجهة إليك باطلة. ما هي هذه المستندات؟ وهل تعتقد أن لبنان سيتمكن من الحصول على الملفات المطلوبة من اليابان؟

- سحب مني المدعي العام اللبناني جواز سفري. ويسري هذا القرار 40 يوماً يفترض خلالها في اليابانيين ان يرسلوا الاتهامات.

■ ماذا لو رفضت اليابان تسليم القضاء اللبناني الملفات؟

- ممكن، وعندها لا يمكن إجراء المحاكمة في لبنان. أنا لم أهرب من العدالة أصلاً. هربت من اليابان لأن لا عدل هناك، وفسرت كل الاسباب التي دفعتني الى الهرب. أريد قضاءً فيه دفاع واتهام وأتمكن أمامه من الدفاع عن نفسي وإثبات أن القضية كلها تركيبة بين "نيسان" والادعاء وجزء من الدولة اليابانية.

■ رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قال إن هذه القضية كان يجب أن تعالج ضمن "نيسان"... هل تعتبر أن هذا الكلام يشكل تراجعاً أم نقداً ذاتياً؟

- هو محق. هذه قضية داخلية كان يمكن حلها في مجلس إدارة "نيسان".

رجال الأعمال في اليابان ليسوا راضين عن القضية. هم يخشون أن تثني الأجانب عن المجيء إلى اليابان. أمضيت 17 سنة هناك لم أشكك للحظة في أن النظام القضائي متخلف بهذا الشكل. هذا مع العلم أن اليابان متطورة جداً في ميادين عدة، ووقّعت معاهدات عدة تتعلق بحقوق الإنسان ولكنها لا تطبقها.

■ كارلوس غصن الذي كان يمضي سنوياً ما معدله 100 يوم في الطائرة بات اليوم "أسير" كيلومترات لبنان. كيف يشعر منذ وصوله الى لبنان؟ هل يشعر بالاسر أو بالحرية؟

- أمضيت 14 شهراً في اليابان كانت فيها كل تحركاتي تحت الرقابة. الآن أنا حر، أستطيع أن أتحدث على الهاتف، وأستخدم الإنترنت. حالياً لا أشعر بأنني أسير. استعدت حياتي الطبيعية، وأنا مع زوجتي التي منِعت من التواصل معها، وأرى أولادي وأصدقائي. ولكن اذا طالت القضية سنوات عدة قد أشعر بأنني أسير، ولكن حالياً أنا سعيد في لبنان.

■ أنقذتَ شركة "نيسان" من الإفلاس عام 2000، وأنهيت عشرين مليار دولار من ديونها خلال ثلاث سنوات فقط، وهي مهمة كانت توصف آنذاك بالمستحيلة. هل ترى أملاً للبنان في الخروج من أزمته أم أنه مهمة مستحيلة؟

- إذا كان السؤال عما اذا كان هناك حل لأزمة لبنان، أجيبك أكيد هناك حل، ولا شيء صعباً. فمع أنني لست خبيراً في أزمة لبنان، يمكن بعد الاستماع الى المطلعين على الأزمة وضع خطة لإنقاذ البلد. نظرياً لا شيء صعباً، ولكن التحدي يكمن في طريقة التطبيق. هنا تصبح القضية سياسية، لا مسألة خبرة ومهارة. ويتطلب القرار السياسي ارادة لأنه لا يمكن الخروج من الوضع الراهن في لبنان بسهولة. يجب تقديم تضحيات شرط أن تتبعها نتائج ملموسة ترضي اللبنانيين.

إذاً الحل سهل لناحية الخطة، أما التنفيذ فيفترض قراراً سياسياً.

وبالنسبة إليّ، لست سياسياً ولا أنوي ممارسة السياسة. ولكن إذا كانت خبرتي في إنقاذ شركات مفيدة للبنان ولمساعدة رجال السياسة الذين يصوّت لهم اللبنانيون، أنا مستعد لتقديم خبرتي.

■ الزعيم وليد جنبلاط اقترح في تغريدة تعيينك وزيراً للطاقة، وقد اختار لك مهمة مستعصية...

- أنا مستعد لمساعدة وزير الطاقة أو المال أو الاقتصاد إذا طلب مساعدتي، ولكن المسؤولية السياسية يجب أن تكون في أيدي أِشخاص يتمتعون بالشرعية للتنفيذ.

الخطة لا تشكل إلا 5 في المئة من الحل، ويمثل التطبيق النسبة الكبرى. والتطبيق يجب ألّا يكون عشوائياً، وهو يتطلب خبرة والتزاماً ومتابعة ومخاطبة الشعب اللبناني لتقبّل التضحيات وإعطاء أمل للبنانيين.

في اليابان اخذت قرارات صعبة لم يكن يتوقع أن يتقبلها المجتمع، ولكنها نجحت لأنه كانت هناك متابعة لها، وأعطت نتائج مذهلة.

■ ترفض الحديث عن طريقة خروجك من اليابان. ولكن هل تتابع السيناريوات الهوليوودية التي تتحدث عن "الهروب الكبير"؟ في اليابان تجري برامج تلفزيونية محاكاة simulation لخروجك من البلاد، ويوضع مذيعون في علب سوداء مباشرة على الهواء، وانتشرت لعبة فيديو باسم gohn gone. ما الذي تشعر به حيال اليابان بعد هربك من ذلك البلد؟

- أحب الشعب الياباني. عاملني اليابانيون بلطف واحترام عندما أطلقت بكفالة. وفي المطاعم كانوا يخصونني بمعاملة استثنائية. ومع أن الصحف كانت تهاجمني كان مواطنون في الشارع يوقفونني لإلقاء التحية عليّ ويطلبون التقاط صور معي. الشعب يتمتع بالحس السليم، وليس مقتنعاً بأنه بعد 17 سنة كتب عني خلالها أكثر من 20 كتاباً، تحولت فجأة الجشِع والديكتاتور.

بعد أزمتي في اليابان، صار أصدقائي أقل اليوم، ولكنهم الأصدقاء الحقيقيون، بمن فيهم لبنانيون.

لبنان أثبت أنه بلد يتمتع بعصب وروح ويشكل ضمانة لمواطنيه. بعد قضيتي سينظر اللبنانيون في الاغتراب بطريقة مختلفة الى لبنان، لأنهم يعرفون أن بلدهم سيقف الى جانبهم إذا واجهوا مشكلة. والمغتربون ضرورة كبيرة للبنان. أياً كانت الخطة التي ستوضع لإنقاذ لبنان، سيكون للمغتربين دور فيها. هذه ثورة لبنان.

■ في الرحلة من أوساكا الى بيروت أي لحظة كانت الاصعب؟

- لم أرتح الا عندما وصلت الى مطار بيروت. عندما أعطيت جواز السفر الفرنسي لموظف الأمن العام وقال لي أهلا وسهلا بك سيد غصن، شعرت أن كابوساً انزاح عني وأنني صرت في بلدي.

■ هل شعرت مثلاً بأن الرحلة من اليابان إلى بيروت كانت طويلة جداً؟

- في مرحلة من هذا النوع، لا يفكر المرء الا في الوصول الى النتيجة المتوخاة. ليست قضية خوف أو توتر، ولكن يكون التركيز منصباً على الامل في الوصول الى بيروت.

■ متى حقاً قررت الهرب من اليابان؟ القول إنك اتخذت قرارك بعد ارجاء محاكمتك ليس منطقياً لأن عملية من هذا النوع تحتاج الى أكثر من أيام لإعدادها.

- ترأست ثلاث شركات، وكان دائماً سؤال ماذا لو (what if) يأخذ حيزاً كبيراً من تفكيري. كنت دائماً أفكر في الخيارات في حال يئست تماماً من العدالة في اليابان. فكرت في الموضوع دائماً ولكن كخيار أخير. الاحتمال كان دائماً منخفضاً، ولكنه بدأ يرتفع مع تصرف الادعاء والقضاة، وحتى موكليّ كانوا يشككون في امكان حصولي على محاكمة عادلة.

■ شعرنا أنك عاتب كثيراً على فرنسا. هل تعتقد أن باريس التي ربطتك برؤسائها المتعاقبين علاقات متوترة، لا تزال قادرة على بذل جهود أكبر مع اليابان؟

- في فرنسا عموماً، لا يحبون رب العمل. وتعرضت لانتقادات كبيرة بسبب راتبي، علماً أن الرئيس الاميركي باراك أوباما عرض عليّ رئاسة شركة "جنرال موتورز" ورفضته مع أن راتبه ثلاثة أضعاف راتبي من شركة "رينو".

لم تكن علاقتي جيدة بساركوزي ولكن كان ثمة احترام متبادل بيننا. وهو الشخصية الفرنسية الوحيدة التي زارتني في اليابان. كان ممثلاً للرئيس ماكرون في تنصيب الامبراطور الجديد، فزارني وأمضى ساعة ونصف ساعة معي من اصل ساعات عدة استغرقتها زيارته، فنصحني وساعدني.

لم نكن متفقين على كل شيء، ولكنني كنت أصر على ألا تتدخل الدولة في شركة "رينو" ما دامت الشركة ناجحة.

■ استأثرت الحفلتان اللتان أقمتهما في قصر فرساي بحيز كبير من اهتمام الاعلام العالمي، وتسببتا بانتقادات كبيرة لك. هل أنت نادم على اختيارك لفرساي؟

- لست نادماً على اختيار فرساي لاحياء الذكرى الـ15 لتحالف "رينو- نيسان"، ذلك القصر هو الموقع الفرنسي الاكثر زيارة للسياح، وهو رمز لا للملك لويس الرابع عشر أو الملكة ماري أنطوانيت، وإنما للعبقرية الفرنسية والجمال الفرنسي. والاجانب يحبون هذا المكان لذا اخترناه وليس لمحاكاة لويس الرابع عشر كما كُتب. كان يمكنني اختيار بلد آخر وأخطأت باختياري فرنسا.

وبالنسبة الى الحفلة الثانية، قالت لي رئيسة فرساي إنها يمكن أن تقدم إليّ صالة في القصر لمناسبة خاصة، كانت "رينو" تقدم هبات كبيرة الى فرساي. لذا اقترحت على زوجتي إحياء عيدها الخمسين فيها وكلفنا شركة تنظيم الحفلة. وفي العقد كتبت الشركة أن الصالة هي تقدمة، ولكننا اكتشفنا عندما فتحت القضية أن فرساي حسمت من خط ائتمان لـ"رينو" 50 ألف أورو، ولم نكن نعرف.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم