الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لا أتمنّى لأيّ "آدميٍّ" أنْ يكون في الحكومة

عقل العويط
عقل العويط
لا أتمنّى لأيّ "آدميٍّ" أنْ يكون في الحكومة
لا أتمنّى لأيّ "آدميٍّ" أنْ يكون في الحكومة
A+ A-

لا أتمنّى لأحد أصدقائي ومعارفي، أو لأحد الذين يتمتّعون بحدٍّ أدنى (وأعلى) من الاختصاص والاستقلاليّة والآدميّة والنزاهة والشفافيّة والصدقيّة والخبرة الإداريّة، أنْ يكون عضوًا في أيّ حكومةٍ تأتي بها قوى السلطة. ولا، خصوصًا، أنْ يكون عضوًا في هذه الحكومة بالذات.

هذه الحكومة الموعودة، ستكون، في ضوء ما نشهد، نسخةً مقنّعةً عن الحكومات الموبوءة السابقة التي تُعجَن وتُخبَز في أفران الطبقة السياسيّة الفاسدة التي قتلت لبنان واللبنانيّين.

لا أتمنّى مثل هذا المصير لأيِّ سيّدةٍ وسيّدٍ من "الأوادم"، ومن أساتذة الجامعات الرصينة، ومن أهل الرأي والقلم والفكر والثقافة والعلم والأدب، ومن حماة القانون وحرّاس العدل، ومن القضاة والمحامين والأطباء والمهندسين والمخترعين، الذين ترسّختْ لهم مكاناتٌ مرموقةٌ في ميادينهم، أو ذاعت لهم شهراتٌ نظيفةٌ في معارف اختصاصاتهم وإداراتها.

لماذا؟ لأنّهم سيكونون فرائس مشتهاةً وسهلةً – لا أكثر ولا أقلّ - بين أنياب المفترسين، وسيكونون في أيدي الفاسدين وأصحاب الأمر والنهي محض دمًى مثيرة للشفقة، بل أيضًا محض دمًى مثيرةٍ للسخريّة والازدراء.

هؤلاء "الأوادم" سيكونون مجرّد واجهاتٍ لذرّ الرماد في أعين الثوّار المنتفضين، وأمام الرأي العامّ الوطنيّ، وأمام المجتمع الدوليّ، ولا سيّما الدول المانحة. ولن يُحفَظ لمواقف هؤلاء الاختصاصيّين المستقلّين الأوادم (إذا اختير بعضٌ قليلٌ منهم)، ولا لآرائهم وخبراتهم أيُّ موقعٍ موثِّرٍ وفاعلٍ وحاسمٍ، أو محترَم، لتغيير المعادلات السائدة، أو لإحداث الإصلاحات المنشودة التي تنقذ لبنان من الإفلاس، وتبعد شبح الجوع عن الأكثريّة الساحقة من اللبنانيّين.

لا أتمنّى لهؤلاء "الأوادم" الاختصاصيّين المستقلّين مثل هذا المصير القاتم.

بل ستكون الوزارة وبالًا عليهم وعلى شهراتهم ومكاناتهم وسمعاتهم.

بل أكثر: ستكون مشاركتهم (الممنوعة أصلًا من الحرّيّة ومن النجاح) في الحكومة ذريعةً لترسيخ وجود الطبقة السياسيّة في الحكم، ودوام منطق المحاصصة والفساد والتقاسم.

وعليه، فإنّي ناصحٌ لهؤلاء، من باب التقدير لاختصاصاتهم أوّلًا، ومن باب استباق النتائج المخيِّبة للآمال، بأنْ لا ينتظروا أنْ يذوب الثلج ليظهر المرج، لأنّ مكتوب التأليف الحكوميّ يُقرأ من عنوانه.

هذه الحكومة المفترضة، التي صرّح رئيسها المكلّف أمام الملأ بأنّها ستكون حكومةً مستقلّةً عن الأحزاب والتيّارات والقوى السياسيّة المتحكّمة بمفاصل السلطة والإدارة والدولة، لن يبصر "استقلالها" النور، ولن تكون حكومةً مستقلّةً على الإطلاق، بل ستكون صنيعة الأيدي ذاتها التي أنجبتها، والتي ستكون وحدها "وليّة نعمتها"، وهي نفسها الأيدي التي فبركت سابقاتها من الحكومات الفاشلة، وهي الأيدي نفسها التي لا تزال مستمرّة في فعائلها الشنيعة.

لن يُسمَح للرئيس المكلّف بأنْ يؤلّف حكومةً اختصاصية ومستقلّة كهذه.

يجب أنْ يعرف الرئيس المكلّف هذه الحقيقة. ولا بدّ من أن تكون "أيّام العذاب" الماضية التي أمضاها في كهوف التأليف وأوكاره العفنة، كافيةً لتجعله ملمًّا بهذه "الحقيقة الصافعة" الإلمام كلّه.

يستنتج المراقب ذلك، بمجرّد أنْ يلقي نظرةً متفحّصةً ودقيقةً على الأسماء التي يتمّ تسريبها من هنا ومن هناك، إمّا لجسّ النبض، وإما لإثارة الشهوات والرغبات والطموحات عند المستوزرين، وإمّا انعكاسًا لمنطق التجاذبات والتناقضات التي تتحكّم بمواقع قوى التأليف الحقيقيّة والفعليّة، الظاهرة والخفيّة. علمًا أنّ كلّ شيءٍ بات مفلوشًا بطريقةٍ فاقعةٍ على طاولة التأليف.

وعليه، فإنّي ناصحٌ للرئيس المكلّف – إذا كان جادًّا في وعده "الأوّل"، الوعد بتأليف حكومة اختصاصيّين مستقلّين - بأنْ يضرب الأرض بقدميه، ويحمل إلى القصر الجمهوريّ حكومته الاختصاصيّة المستقلّة بالأسماء والحقائب، أيًّا تكن النتائج المترتّبة على خطوته.

كلامٌ أخير: لا يزال ثمّة وقتٌ ضيّقٌ وأخير أمام "الأوادم" للاعتذار عن عدم المشاركة في مثل هذه الحكومة المفخّخة.

كلامٌ أخير: لا يزال ثمّة وقتٌ ضيّقٌ وأخير أمام رئيس الحكومة المكلّف إمّا لتأليف حكومته كما يريدها هو (اختصاصية مستقلّةً سيّدةً حرّةً)، وإمّا للاعتذار، و... العودة إلى موقعه الجامعيّ الأمين.

[email protected] 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم