بؤس عائلة هلال فاقمه الحريق... "لو كان الفقر رجلاً"

طرابلس- رولا حميد

في ظل الأزمة التي يمرّ لبنان بها، يستطيع البعض تمضية الأعياد بنسبة من الفرح، فلا بد أن تنعكس الأوضاع العامة عليه سلبا، بطريقة من الطرق، مهما كانت صلابته، وقوة إرادته، فتخف بهجته، ورغبته في الانطلاق إلى عام جديد ملؤه الأمل بمستقبل مشرق ينتظره كل انسان.

وفي الوقت عينه، هناك شرائح واسعة من المجتمع تعيش في كآبة بسبب الفقر، وما يواجهه كثيرون من مصاعب، حتى إذا حلت الأزمة الحالية تفاقمت أوضاعهم، وساءت أحوالهم. والأكثر سوءا عندما تقع حادثة في البيت، تهدد حياة أبنائه، وفي أحسن الأحوال، تشرذمها، وتفرق افرادها عن بعض.

تضافر الفقر، والأزمة، والمصيبة على بيت هلال كولاح في باب التبانة بطرابلس عندما اندلع حريق مجهول الأسباب في غرفة نوم أبنائه وهم نيام، كاد يقضي عليهم، لولا تنبه بعض أهل البيت للحريق، والاستعجال باستدعاء الاطفائية.

تروي راضية كولاح (١٧ عاما)، ابنة هلال، ل"النهار" حادثة تلك الليلة المأسوية، وتصفها ب"المرعبة"، فقد استيقظت نحو الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل ورائحة غريبة تعبق في المنزل. تتبعت المصدر، فإذا بحريق يشب في غرفة أخوتي الشباب، وهم نائمون، سارعت لإيقاظهم، وحاولنا جميعا إطفاء الحريق، والحمد الله كان أخي الصغير (خمس سنوات) ينام مع والدتي في غرفتها. لكننا لم نفلح في إطفائه بسبب شدة الدخائن المنبعثة من الأغطية التي طالتها النيران، من حرامات وفرش اسفنج، مما اضطرنا أن نغادر الغرفة، وحاولنا مغادرة المنزل فلم نستطع، إلى أن وصلت الاطفائية التابعة لبلدية المدينة، وعملت على إطفاء الحريق".

طاول الحريق غرفة النوم الأخرى المجاورة، وأتى على كل ما فيها من ثياب للعائلة، كما طاول الفرش البسيط المتواضع أصلا، لكن العائلة كانت مقتنعة به طالما لا تستطيع الحصول على سواه.

وشباك الغرفة متكسر، وملتوٍ كما يظهر على عوارضه الألمنيوم من شدة الحريق، وبين رائحة الدخائن، وقسوتها على التنفس، وانفتاح الشباك على الهواء البارد في أقسى ليالي الشتاء، لم يعد البيت صالحا للسكن. “لم يكن الوضع يطاق، والحالة كانت صعبة للغاية... لا أستطيع وصف هذه الليلة.. قضينا بقية الوقت نجمع المحترق من الأغراض، ونرميه خارج المبنى، إلى أن لاح الصباح"، تقول راضية.

أما والدها هلال فيفيد أن "البيت لم يعد قابلا للسكن، إلا أننا رتبنا غرفة الجلوس التي كانت الأبعد عن غرفة الحريق، وسكناها، لكنها لا تتسع لنا كلنا، ففرض علينا الانقسام والتشرذم”.

العائلة مكونة من ثلاثة شبان، وراضية، وشقيقهم الصغير، فاضطرت العائلة أن تقسم نفسها، فغادرت الوالدة، مع راضية، وشقيقها الصغير المنزل، إلى بيت أختها في بلدة نائية في عكار، حيث يقيمون الآن.

تتحدث راضية أن الحياة التي تعيشها خالتها أصلا هي حياة فقر وبساطة وصعوبة، و"وقعت حادثتنا عليها، ففاقمت مشكلتها، ونعيش مضغوطين معا، وليس لنا حل. فبيتنا في التبانة يحتاج للكثير لكي يصبح قابلا للسكن البسيط، ووضعه كان سيئا أصلا، وفيه الكثير من النشش والرطوبة، والأقنية المتفجرة، الباعثة على الروائح الكريهة، والأمراض، تحوط البناية التي نعيش".

مدخول العائلة لا يكفي لتصليح البيت، وإعادة تأهيله، ويفيد هلال إنه "يعمل لدى أحد الباعة في سوق الخضار، ويتراوح الدخل اليومي بين ١٠-١٥ ألف ليرة لبنانية يوميا، وذلك بمساعدة أبنائي الذكور الثلاثة الذين تركوا المدرسة، ولم يجدوا عملا لهم”.

على العائلة المكونة من سبعة أشخاص ان تعيش بهذا المبلغ قبل وقوع الحادثة. وهي في حال حرجة اليوم، بسبب الفقر الذي أودى بكل الأبناء أن يتركوا مدارسهم مبكرا.

تقول راضية: “تركت مدرسة "مي" (زيادة) حيث كنت أدرس، وعندما وصلت الصف السابع، ولد شقيقي الخامس، وكنا فقراء، ولا نزال، فلم استطع متابعة دراستي، فهناك تكاليف الكتب، والقرطاسية، والمحفظة، وباص النقل، وكل تكاليفها لم تعد متوفرة. فبقيت في البيت أساعد والدتي في تربية أخي الصغير”.

أجرى هلال العديد من الاتصالات بمراجع رسمية، وخاصة لمساعدته في إعادة تأهيل البيت، لكن الأبواب سدت بوجهه، ف"الأزمة متفاقمة، والعمل يتراجع، وليس من مجال لتشغيل ابنائي في ظل الظروف التي نعيش، ولا أي نقطة ضوء لحل مشكلتنا بالحد الأدنى".

هكذا حال عائلة كولاح، منقسمة دون أفق لإعادة الالتقاء، البيت متضرر بقسوة لا تصلح لسكنه سوى غرفة واحدة. وراضية تحمل هموم الدنيا، وتشكو: "كيف نظل مقيمين عند خالتي في ظروفها الصعبة؟ كيف يمكن تصليح بيتنا؟ وهل يمكن أن تعود عائلتنا للحمتها السابقة؟"

كثيرة هي التساؤلات عند راضية، وكثير هو القلق، وتختم: "قاعدين عند خالتي، بس ما مرتاحين. وفي كثير اشيا بتضايق. فقدنا مأوانا الوحيد.. وانقسمنا، وتفرقنا، ولم يعد باليد اي شيء. الأوضاع كانت سيئة أساسا، والآن هي أسوأ. ولا يسعني إلا قول: "الحمد الله". في المحصلة، لسان حال العائلة يقول: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".