الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لغز نجوى قاسم ونار أسئلتها

فاطمة عبدالله
لغز نجوى قاسم ونار أسئلتها
لغز نجوى قاسم ونار أسئلتها
A+ A-

مَن قدّمت "حدث اليوم" والتصقت به ابتسامتها، هي الحدث مع بدايات السنة. الوداع مُرّ بكلّ أحواله، فكيف بالصادم، المُباغِت، الفجّ؟ نشاء الضحك للأيام المجهولة، والتطلّع بعين ساذجة إلى مشهدية الحياة، حيث لا عقد ولا أعماق ولا رأس يلتهم صاحبه، فينغّص الطمأنينة. ونشاء التخلُّص من فلسفة الكون وأسئلته المُدمِّرة، ثم يأتي خبر من نوع وفاة الإعلامية نجوى قاسم، في صباح اليوم الثاني من السنة الجديدة، ليعيدنا إلى الصفر، حيث مطرقة الرأس تنخر الروح وتخلخل صميمها. على سريرها، تمدّدت الإعلامية المشرقة، جثّةً، تشرّع على الإنسان جحيم موته المؤجّل، فيشعر أنّ ثمة ما يقبض على وجوده، مهدّداً إياه بالخطف السريع في أي لحظة.

ابنة بلدة جون ترحل في دبي، حيث الإقامة والأحلام والفرص. لعينٌ الموت، وتافه. يقولون إنّه حقّ، لكنّه صفعة. يقولون إنّه سنّة الحياة، لكنّه مُخرِّب سكينتها. لعينٌ بامتداده وانتشاره واحتلاله الأعماق الإنسانية. حين يهبّ، يلفح حدّ السقوط، ومن فرط وهجه، يُبقي الاحتراق أبدياً. الإعلامية الرصينة، المرأة الجدّية، الإطلالة الحسنة، المسار الطويل من التغطيات في الميدان المشتعل، حاصدة الجوائز، ترحل بما يُشبه اللغز. صحيح أنّ الجسد لا يبقى على همّته، فتصيبه تصدّعات العُمر، لكنّ الموت على سرير في شقّة، في الغربة، في الوحدة، في المسافات، محضُ وجع وقسوة، عصيّ على التقبُّل، يطرح أسئلة من نار، تلطع في العميق جداً، فتُخرج رائحة شواء خانقة.

لم تتسلّم الجميلة الراحلة جائزة "أفضل مذيعة في المهرجان العربي الرابع للإعلام في بيروت"، عبثاً، ولا بالواسطة، ولا لأنّها تفتعل موقفاً أو تجاري زمن الإفلاس، بل لجهودٍ مُستَحقّة، وتعب مُقدَّر، وحضورٍ خارج الاستفزاز والمظهر والابتذال. أنيقة في القراءة والتقديم والتغطية، لمّاعة، رسخت في الذاكرة، منذ عملها طوال سنوات في "المستقبل"، إلى تجربة "العربية" و"العربية الحدث"، فأرض الصراع في أفغانستان والعراق، حيث نموذج المرأة الشجاعة في مقدّمة المشهد، لا تخشى موتاً ولا تهاب نهايات، فتختزل الوفاء للمهنة وشقائها وتحدّي التفوّق خارج الاستسهال والرخص.

اختارتها الـ"أرابيان بيزنس" في 2011 من بين أقوى مئة سيّدة في العالم العربيّ. قويّة في حضورها، قادرة على الهزّ في موتها. ترحل في زمن ندرة الرصانة وخفوت الموهبة. حزينٌ هذا النهار. حزينٌ كلّ شيء الآن. كانكماش المطر في الخارج وتلبُّد الأجواء. وكهذا البرد الذي يُرجّف النفوس، فيجعل الأجساد تتكوّر. الاستراحة أجمل ما يفعله الراحلون. يستحقّون سكينة السماء.

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم