الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - إفقار اللبنانيين... من يقف وراءه؟

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - إفقار اللبنانيين... من يقف وراءه؟
أرشيف "النهار" - إفقار اللبنانيين... من يقف وراءه؟
A+ A-
نستعيد في #نهار_من_الأرشيف مقالاً كتبه عدنان صلاح خياط في "النهار" بتاريخ 28 تشرين الأول 1999، حمل عنوان "إفقار اللبنانيين... من يقف وراءه؟".في الاعوام العشرة الأخيرة نشر عدد كبير من الدراسات والأبحاث والتقارير التي تتناول موضوع الفقر في لبنان. وقد أجمعت تلك النشرات، والتي صدرت عن مرجعيات موثوقة، كالأمم المتحدة والبنك الدولي ومراكز دراسات عالمية، على ان اللبناني يزداد فقراً وان مستواه المعيشي آخذ بالتدني. وتضمنت معظم هذه النشرات احصاءات تبين تزايداً في عدد اللبنانيين دون خط الفقر (أي في منطقة البؤس) وكذلك تراجعاً حاداً في عدد اللبنانيين الذين هم في حدود الكفاف. كما أجمعت معظم النشرات على ان الطبقة الوسطى اللبنانية معرّضة للزوال وان المجتمع اللبناني سيتحول الى اكثرية فقيرة وأقلية شديدة الثراء. والواقع ان لبنان لم يكن حتى قبل الحرب بلداً غنياً بأن من المقاييس المعتمدة في هذا المجال إلا أنه كان يتمتع بحالة من التوازن مردها وجود طبقة وسطى ذات حضور. فدارسة بعثة ايرفد عام 1961 بينت أن 50 في المئة من اللبنانيين فقراء وان 32 في المئة طبقة وسطى يضاف اليها 14 في المئة طبقة وسطى عليا (ميسورون) فيما الاغنياء 4 في المئة فقط. ولم يتغير هذا التقسيم للثروة في المجتمع اللبناني كثيراً ما بين الستينات وبدايات الحرب عام 1975. فقد كان التقسيم يتأثر قليلاً بالطفرة في بلاد النفط مما يؤدي الى زيادة حجم الطبقة الوسطى وزيادة ثراء القلة الغنية. إن التغيير الاهم والاخطر الذي احدثته الحرب في تركيبة توزيع الثروة في المجتمع اللبناني هو ذوبان الطبقة الوسطى اللبنانية وهبوطها الى طبقة الفقراء. ورغم وجود تعريف للفقر ولخط الفقر، فإني لا أرى ضرورة لشرح هذا التعريف الذي يعيشه اللبناني بالممارسة الحياتية اليومية. فاللبناني الذي لا يكفيه راتبه لتغطية نفقات عيشه وعائلته هو فقير. وكذلك الذي يسكن وعائلته في ظروف غير لائقة صحياً وبيئياً هو أيضاً فقير. والذي يعجز عن تغطية نفقات اسرته العلاجية كذلك هو فقير. ومن لا يستطيع توفير طعام صحي كافٍ متوازن ومنتظم، له ولأسرته، هو حتماً فقير. والذي لا يتمكن من مياه شفة نظيفة وكافية ومنتظمة له ولعائلته فقير بلا شك. وبالطبع فان من يعجز عن توفير الاقساط المدرسية لاولاده هو أيضاً فقير. فلو طبقنا هذه المقاييس على عموم اللبنانيين لثبت بالوجه التطابقي ان السواد الاعظم من اللبنانيين فقراء. أليس معظم اللبنانيين يواجهون قصوراً في واحد او اكثر من مطالب العيش الكريم الذي اوردناها سالفاً؟ مع انتهاء الحرب اللبنانية المدمرة كان يفترض ان تعطى مسببات الفقر أولية في الخطط الهادفة لازالة آثار الحرب. فمشاريع الاسكان لذوي الدخل المحدود، وايجاد فرص عمل عبر اقامة مشاريع تنموية صغيرة ومتوسطة وتأمين قروض صناعية وزراعية ميسرة، كان يفترض ان تكون في رأس اهتمامات اي خطة انهاض. إلا أن السلطة قلبت سلم الاهتمامات رأساً على عقب عبر خطة النهوض الاقتصادي عام 1992 وركزت جهدها في مشاريع البنى التحتية والطرق السريعة. ولأن مثل هذه المشاريع البنيوية المكلفة أدت الى الاستدانة من الداخل والخارج في غياب واردات جدية موازية، فقد نتج من هذه الاستدانة زيادة كبيرة في الضرائب والرسوم. هذه الزيادة (في الرسوم، ضرائب الدخل والضرائب غير المباشرة) تحمل وزرها بصورة رئيسية الفقراء وذوو الدخل المحدود، وهم أكثرية الشعب اللبناني. أما انجاز مشاريع البنى التحتية العالية الكلفة وغير المنتجة في المدى القصير والمتوسط فلم يؤد الى تحسين في أوضاع الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط بل على العكس تماماً، فقد زادت الديون الناتجة من تنفيذ خطة النهوض أعباء هؤلاء. فضلاً عن ان اختفاء السيولة النقدية في توظيفات سندات الخزينة وأسهم سوليدر قد شل حركتهم. ولما كانت أبواب العمل في بلاد النفط بعد حرب الخليج مقفلة كذلك فان الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط في لبنان لم يعد لهم ملاذ سوى الفقر في بلدهم. طوال هذه الفترة التي كان اللبنانيون يزدادون فيها غرقاً في فقرهم كان الموقف الاميركي الرسمي من لبنان يقول: لبنان بلد غير آمن، لا ننصح رعايانا بالذهاب الى لبنان (هذا النصح يشمل الشركات ورؤوس الاموال الاميركية دون الحاجة لذكرها). كذلك فان موقف اميركا كان مؤشراً لاصدقائها والدائرين في فلكها السياسي من الدول الغنية. غير ان الموقف الاميركي كان دائماً يضيف ان هناك دوراً مهماً للبنان ينتظره بعد توقيعه اتفاق سلام مع اسرائيل. كان هناك ما يوحي ان لبنان سيظل غارقاً في الفقر الى ما بعد توقيعه اتفاق السلام الذي يرضى عنه الاميركيون. لقد بدا وكأن افقار لبنان واغراقه في الديون كانا لتطويعه ودفعه الى توقيع المعاهدة لو اراد الخلاص من الجمود الاقتصادي وحالة الفقر التي اجتاحته. لقد عقدت الحكومة في حينه العديد من المؤتمرات واللقاءات في لبنان والخارج بغية جلب التوظيفات والاستثمارات وتحريك الجمود...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم