قصتي في 2019- ضعفي وقوتي

 *لمناسبة نهاية العام، طلبنا من الزملاء اختيار اللحظة المهنية الأكثر تأثيراً في نفوسهم خلال الـ2019، ومشاركتها مع القراء. 

كلما دخلت إلى مركز سرطان الأطفال في لبنان لأجري تحقيقاً، كانت تعتريني مشاعر متضاربة بشكل يصعب وصفه. فعندما أصبح في داخل المركز محاطةً بالأطفال المرضى، تتغيّر أمور كثيرة في داخلي، فيما أجد نفسي في عالم آخر لا يشبه أبداً ذاك العالم الذي نعيش فيه، مركّزين على القشور وعلى الماديات.

لم أعرف يوماً ما إذا كان تأثري الزائد بالأطفال المرضى يعود إلى كوني أماً، أو إلى ضعفي تجاه الأطفال عامةً. في كل مرة أدخل إلى المركز أشعر بغصة، وأجدني عاجزة عن حبس دموعي، على الرغم من محاولاتي اليائسة للحفاظ على هدوئي وعلى الابتسام أمام الأطفال الذين أتحاور معهم.

أنظر من حولي فأجد عشرات الأطفال الذين يتحمّلون ألمهم بصبر ويلعبون بانتظار أن يحين دورهم لتلقّي العلاج.

في المرة الأخيرة التي زرت فيها المركز لمناسبة الشهر العالمي لسرطان الأطفال بهدف تصوير فيديو وكتابة تحقيق، لم يختلف المشهد كثيراً، ولو اختلف الأطفال وتغيّروا. كما في كل مرة حاولت السيطرة على مشاعري، والتصرف بشكل طبيعي، فيما كان قلبي يتمزّق من الداخل وينعصر عندما أراهم أمامي.

هم يلعبون ويمرحون، لكن حياتهم لا تشبه حياة باقي الأطفال. وأذكر جيّداً أن أكثر ما آلمني كان رؤية تلك الفتاة الصغيرة الجميلة التي فقدت عينها بسبب إصابتها بسرطان في العين، وقد تألقت بملابسها الجميلة لتخرج وتزور المركز كالمعتاد لتلقي العلاج. وكعادتي حينها، في مثل هذه اللحظات، وجدت في الصلاة ملجئي الوحيد، فرحت أصلي لطفلَي ليحفظهما الله لي من كل أذى أو مرض، كما صلّيت ليشفى كل أطفال العالم، فيعيشون أجمل سنوات حياتهم كما يستحقون. ففي تلك اللحظات يبدو الشعور بالعجز مؤلماً بشكل يصعب تصوّره. وماذا قد يفيد عندها غير الصلاة؟

كانت مشاعري هي نفسها كما في المرات السابقة، لكن ما أثّر بي بشكل خاص مقابلة الطفلة الذكية والمرحة ماجدة التي فاجأتني بشجاعتها، والتي قدمت لي خير دليل على أن أطفالنا هم أكثر شجاعةً مما نتوقع، ويتميزون بقدرة كبرى على التحمل بشكل يفوق توقعاتنا. فماجدة، كما أكدت والدتها، مدّت والديها بالقوة بضحكتها التي لا تفارق ثغرها، وبعينيها الجميلتين وشجاعتها اللافتة التي استطاعت من خلالها أن تتحدى المرض وتتابع علاجها الطويل نسبياً. طوال مدة التصوير والمقابلة لم تهدأ، معبّرة عن سعادتها بالمقابلة وعن المتعة التي تجدها في المركز الذي تتلقى فيه العلاج. فهو لا يمثل المرض والعلاج لها، بل تنتظر زيارته لتجد فيه كل ما يمكن لطفلة أن تحتاج إليه من مرح ولعب واهتمام. مقابلة ماجدة تركت فيّ أثراً واضحاً، وقد يكون وجودها مصدر قوة وطمأنينة لكل من حولها.