الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الكيانيّة أمّ الأزمات

د. ميشال الشمّاعي
الكيانيّة أمّ الأزمات
الكيانيّة أمّ الأزمات
A+ A-

يمرّ لبنان اليوم بين أزمتين تؤثّران في وجوديّته: الأولى هي الأزمة الاقتصاديّة؛ أمّا الثانية فهي أزمته الكيانيّة. ممّا لا شكّ فيه أنّهما مرتبطتان بعضهما ببعض، حتّى لتكاد الأولى تؤدّي إلى الثانية. ولكن المفارقة في هذا الواقع الأليم أنّ القيّمين على القرار اليوم في لبنان ما زالوا يفكّرون في كيفيّة زيادة أرصدتهم في المصارف الخارجيّة غير آبهين لوقوع الهيكل على رؤوسهم. فهل ما زال لبنان مالكًا بعض مقوّمات الصّمود وسط أزماته هذه؟ أم أنّ قدرته على الصّمود قد تهاوت أمام جشع بعض من يتحكّم بقراراته السياسيّة؟

صحيح أنّ الأزمة الاقتصاديّة هي الدّاهمة اليوم لأنّها تطال اللّبنانيّين كلّهم بلقمة عيشهم. فأصحاب الملايين والمليارات قد تساووا بأصحاب الدّخل المحدود في المصارف اللّبنانيّة اليوم. ولا يستطيع هؤلاء تحرير ثرواتهم إلا بعد نهوض الاقتصاد اللبناني برمّته. من هنا، تتعالى صرخات الاستغاثة الدّوليّة التي يطلقها أصحاب رؤوس الأموال يومًا بعد يومٍ. مقابل أصوات عامّة النّاس التي لم تعد تطلب سوى لقمة تسدّ فيها جوعها المستشري يومًا أكثر من يوم، حتّى صار الموظّف يستجدي راتبه من البنوك.

من هنا، ارتبطت هذه الأزمة بشكل مباشر بوجوديّة اللّبناني التي صارت مهدّدة. ولم يعد نافعًا البحث عن بدائل في الدّاخل اللبناني. لذلك، لجأ بعضهم إلى حلول بعيدًا من لبنان. حيث حاول قسم كبير نقل مصالحه إلى خارج الحدود، لا سيّما في بعض الدّول العربيّة؛ بينما قام بعضهم بالهجرة من لبنان بحثًا عن فرص عمل حاملاً لبنان في وجدانه الوطني الذي لا يموت.

وفي الحالتين الخسارة تفاقمت في لبنان. والأدهى في هذا الوضع كلّه أنّ من هم في سدّة القرار ما زالوا يبحثون عن حلول غير الحلّ المنطقي. في حين أنّ الوضع لا يسمح بأيّ مواجهة، ولو محليّة بين اللّبنانيّين أنفسهم، يجهد فريق المحور الإيراني إلى أخذ لبنان نحو مواجهة دوليّة، ليس إلا لتحسين شروط إيران في ملفّ التّفاوض؛ غير آبهين بالمصير الأسود الذي قد يصيب لبنان نتيجة هذه المواجهة.

مقابل ذلك، يبدو الحلّ المنطقي الوحيد بالابتعاد عن أيّ مواجهة سياسيّة والعمل على المعالجة الاقتصاديّة من خلال نخبة أخصّائيّين مستقلّين تدير شؤون البلاد والعباد. لكن على ما يبدو أنّ أهل السلطة يحاولون اليوم اللعب على التناقضات في الساحة الدّوليّة لا سيّما بعد التطوّرات الإقليميّة التي تزعّمتها السياسية التركيّة المستجدّة في دول أفريقيا الشماليّة. من هنا، يحاولون اليوم اجتراح حكومة على قياسهم لكنّها ترضي ما يطالب به عامّة النّاس والمجتمع الدّولي على السّواء. وهذا ما لن يتمكّن هؤلاء من تحقيقه.

فالرّئيس المكلّف فقد شرعيّة تكليفه ميثاقيًّا. ما أفقده بالتّالي الغطاء الدّولي ليحتفظ بغطاء حلفائه المعروفين في المحور الإيراني. وهذا الغطاء لن يكون وحده كافيًا لانتظام الحياة السياسيّة في لبنان من جديد. وهذا ما يعيد طرح الإشكاليّة الكيانيّة من باب الميثاقيّة التي تمّ ضربها بوهج السلاح غير الشرعي الذي يملكه حزب الله في لبنان، مع ارتباطه ارتباطًا كيانيًّا وإيديولوجيًّا وتيوقراطيًّا خارج لبنان.

من هنا، لا حلّ في لبنان على المدى المنظور للأزمة الأساسيّة، فهي اقتصاديّة في ظاهرها وكيانيّة في جوهرها. وإن تمّت المعالجة الاقتصاديّة بطريقة ما من خلال حكومة اختصاصيّين مستقلّين، فسرعان ما سينزلق لبنان في فوضى كيانيّة ناتجة عن عدم اقتناع الفئة المنتفخة بوهج السلاح بكيانيّة 1920. فهل ستتمكّن هذه المجموعة الحضاريّة من فرض كيانيّـها للخروج من الأزمة الاقتصاديّة؟ أم أنّ العودة إلى كيانيّة لبنان الكبير هي الشرط للخروج من الأزمة الاقتصاديّة ؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم