الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"امرأة تعثر على رائحتها" لأحلام عثمان: القضايا الصغيرة- الكبيرة

محمد الجبوري – سوريا
"امرأة تعثر على رائحتها" لأحلام عثمان: القضايا الصغيرة- الكبيرة
"امرأة تعثر على رائحتها" لأحلام عثمان: القضايا الصغيرة- الكبيرة
A+ A-

"امرأة تعثر على رائحتها"، مجموعة شعرية أولى للشاعرة السورية أحلام عثمان، صدرت حديثاً عن "دار نينوى" بدمشق، تطلق الشاعرة من خلالها 28 صيحة -قصيدة- من على بعد محيط وغربات شاسعة، لتصل محمّلة بلغة كثيفة، يباغتك فيها الشعر من حيث لا تحتسب، وتدخلك إلى العالم الداخلي للشاعرة منذ العتبة أو المقدمة.

"أنا ابنة الشعر الصغرى

ولدت من رحم القصيدة بلا ساقين

ألثغ بجرف الشين

أقرط بحرف الراء وأنا أعض اصبعي كقطعة حلوى

وأطير. أطير".

ليست هناك حربٌ صريحةٌ في هذه المجموعة. لا مجازر، لا قناص، لا طائرات، ولا أشلاء. وتغيب عنها كثير من القضايا التي صارت تشغل الساحة الثقافية على العموم والشعرية على وجه الخصوص، فالشاعرة تعيش في نصوصها حربها الداخلية الواضحة: "أحتاج أن أكون امرأة بلا قضايا كبيرة".

لكن تظهر في بعض الأحيان انعكاسات الحرب الخارجية (السورية) والغربة الداخلية والمأزق الاجتماعي وغربة الذات التي تعيشها أي امرأة عايشت الحرب وتبعاتها. "الحرب التي كانت خارجاً سالت دماؤها على فخذي/ لماذا لم ترني حينها؟ لماذا لم ترني حينها؟". 

وبما أنّ المجموعة في معظمها سبر لعالم الأنثى، فلا بد من حضور الآخر -لرجل- كضرورة لاكتمال الرؤيا، فكانت القصائد في الغالب بمثابة إعلان لحالة حب وغوص في تفاصيل ذلك الحب، وما يتخلّله من رغبات وجنون مع ذلك الآخر الذي يأتي على هيئة رجل قريب تدركه الحواس: "الانعكاس البريء على عينيك مربك ووقح. أواني الأكل المتسخة في المجلى. تتزحلق بـ"زفرتها" كلاعبات وجدن طريقة مثلى للانتحار، وهن يتزلجن بين أصابعك"، أو على هيئة غائب مشتهى، حاضر بتفاصيله من خلال ذكريات ربما لم تحدث، تكشف من خلالها الشاعرة حالة الأنثى الوحيدة التي وهي تكابد شوقها لغائبها: "يربكني أنك سلبت عن جلدي حرير القمح – على سرير المسافة- وأبتسم للضوء الكثيف في طريق به رغبتك، وهي تجاكر الوقت". 

لم تغفل شاعرة "أنثى تعثر على رائحتها" في قصيدتها أي حال من أحوال الانثى، فتارة نجد الطفلة الحالمة المشغولة بجدائلها وغزل البنات، وتارة نجد الزوجة البائسة المهملة، وكذلك نجد أنها لم تعلّق أمومتها على باب القصيدة، بل أدخلتها معها ونثرتها في زوايا عدّة، كمن يقول أنا شاعرة أم لقصيدتي وفي قصيدتي، "أنت لا تعلم المتعة التي تشعر بها الأم حين تسحب ولدا كاد يغرق في النبع". الموسيقى، الفرح، التمرّد، الكتابة، الرغبة، الجسد، الله، وتفاصيل أخرى تضمّنتها المجموعة تجعل منها دعوة صارخة للحريّة والحياة. 

"أمد يدي إلى مؤخرة الحياة/ أصفعها بكل ما أوتيت منها". 

تندرج معظم قصائد المجموعة ضمن مسمى "القصيدة اليومية" المشغولة بتفاصيل الحياة الدقيقة، والتي عمدت من خلالها الشاعرة على طرح فكرتها وعرضها بالمجاز الحالم أحياناً وباللغة البسيطة الواضحة أحياناً أخرى ضمن إطار ما بات معروفاً بقصيدة النثر، وإن خرجت منها أحياناً إلى نصوص سردية مفتوحة أو إلى التكثيف على شكل ومضات، كما في القسم الأخير من المجموعة (عناقيد)، لكنها لم تخلُ من جرعات الدهشة والشعرية العالية في كل الحالات.

وما أود قوله بالفعل من خلال هذه القراءة السريعة أن هذه المجموعة تجربة طموحة لأحلام عثمان، وبداية لا يمكن أن تكون عابرة ولابد من الإشادة بها والنظر إليها في الاعتبار.

يذكر أنّ أحلام عثمان شاعرة سورية من مواليد مدينة طرطوس عام 1989، وتقيم حالياً في كندا ولها العديد من النصوص المنشورة في عدد من المواقع والصحف العربية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم