قتيلان إثر انهيار منزل في الميناء... مأساة تؤكّد الفساد والإهمال والطمع

طرابلس- رولا حميد

في حيٍّ كحيّ الأندلس في أسواق الميناء الداخلية، وفي الحدث الذي عاشه الحيّّ، سكانه، ومخلوقاته، وجماده، يمكن للحزن أن يتحول لزجاً، سميكاً، يكاد العابر يمسكه بيده، وهو يتقطّر من العيون دمعاً، ومن الأفئدة مناحةً. يكاد كل شيء يبكي.. أحياناً بصوت عالٍ، وأحياناً بصمت... حتى الحجارة تكاد تبكي من شدة الحزن المنتاب للحي.

في هذا الحي، فقد الشاب عبد الرحمن كاخية (٢٣ سنة) وشقيقته راما كخية (٢١ سنة) في حدث مأسوي قلّ نظيره، هو أبشع من أن يوصف، لقساوته، وأوحش من أن يحكى به، لأن الاهمال خلفيّته، والجشع والطمع والاستهتار بحياة الناس دافعه.

في منزل تراثي من طبقتين، تبدو عليه معالم ذوق وثراء قديمين، وتعلو إحدى بواباته نقوش وزركشات جميلة، تسكن عائلة كاخية، لكن المنزل يحتاج إلى ترميم، بحسب ما تنطق به أوضاعه، ففي الطبقة العليا تشققات بارزة، وكل ما فيه متأكّل بمرور الزمن.

ينام عبد الرحمن وراما في غرفة الطبقة الأرضية، وفوق الغرفة طبقة ثانية كان القرميد يغطيها، وبين متفرعات المنزل من غرف وصالات، قناطر تستند إليها أسقفه، وعتباته. أما سقفه وأرضيته، فترتفعان مسنودتين بأعمدة سميكة من خشب مصقول باستطالة، استخدمت لرفع أسقف المنازل القديمة قبل ظهور الاسمنت.

يروي صهر العائلة صبحي شاكر، ويؤكد روايته مختلف سكان الحيّ، أن صاحب المنزل س. ف. كان يعمد بين الفينة والأخرى، وبالتعاون مع أحد تجار الآثار المعروفين في الميناء ن.ز. إلى اقتلاع حجارة القناطر الجميلة لبيعها، وصولاً إلى بيع دعائم الخشب، المفترض أن يكون قطرانياً، كون غالبية بيوت الزمن الغابر منذ ما يناهز القرن، كانت تبنى بالاعتماد على هذا الصنف من الخشب، وكانت تسمى الواحدة منها "كريشة"، والجمع "كرايش".

وأخيراً، امتدت يد المالك إلى البيت ونزعت قنطرة كبيرة كانت تدعم السقف العلوي للمنزل، وبعد كل المواد التي انتزعت، من حجارة قناطر، ودعائم، بات البيت مهدداً بالسقوط، فقام مالكه بتدعيمه بدعائم خشب تُستخدم في صناعة البناء.

لم يكن آل كاخية مطمئنين للوضع الذي وصلوا إليه، بحسب شاكر، والجيران، فطالبوا البلدية بالتدخل، وصاحبه بالعمل على ترميمه بصورة جيدة، لكن لم يلق آل كاخية تجاوباً.

حاول آل كاخية الحصول على رخصة ترميم من البلدية، بحسب شاكر والجيران، على أن يتولى آل كاخية الترميم على نفقتهم، لكن قيل لهم إنه لا يحق للمستأجر الترميم، الذي يقع على عاتق المالك.

من هنا، كل سكان الحي، وآل كاخية غارقون في حزنهم، ومنهمكون في تشييع ابنيهم، حمّلوا صاحب المنزل، والبلدية، مسؤولية الحدث، وإزهاق روح شابين في مقتبل العمر، يتمتعان بأخلاق عالية، ويحبهما كل السكان، فقضي بذلك على حلم شبابي، وأمل بالمستقبل.

يُذكر أن مجموعة كبيرة من الاهالي دخلوا بلدية الميناء وأحرقوا مفروشات إحدى الغرف فيها تعبيراً عن غضبهم، معتبرين أن الحادثة وقعت بسبب إهمال من البلدية.

وحضرت قوة من الجيش ومن عناصر قوى الأمن الداخلي حيث تم إخراج المحتجين من المبنى، فتجمعوا في الباحة ومحيط البلدية مطالبين رئيسها بالاستقالة ومرددين أنهم لن يرحلوا قبل استقالته.