الشعب في كوكب الثورة والسلطة في كوكب اللامبالاة

شادي نشابة

منذ عام 1992، بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان حتى اليوم، لم تحصل ثورة أو انتفاضة فعلية خارج الإطار الطائفي أو السياسي، وعندما انطلقت ثورة 17 تشرين الأول 2019 اعتقدت السلطة أنها سوف تموت مع الوقت كبقية الحِراكات السابقة، إنما مع توالي الأيام بدأ بعضُ مَن في السلطة يدرك أن ما يحصل ليس لعبة أو حراكاً يمر مرور الكرام، أما البعض الآخر يحاول مراراً وتكراراً أن يُميت فكرة الثورة، كما يحاول إدخالها في الزواريب التي يرغب بها، لكنّ الثورة كانت ولا تزال بالمرصاد.

فمنذ حصولها، والسلطة تعيش حالات انفصام مختلفة، تارة تستعمل منطق الكرّ والفرّ، تارة العنف، تارة الأساليب الأمنية، تارة طرق التخويف، تارة الأساليب الطائفية، وما زالت تحاول حتى اليوم معتمدة سياسة "التطنيش".

السلطة اليوم مقسومة إلى قسمين، كل يرمي المسؤولية على الآخر، وما إن هدأ الشارع قليلاً حتى بدأنا نرى ونسمع التسويات والمحاصصات في التشكيلة الحكومية المقبلة وكأن شيئاً لم يحصل في الشارع.

وبدل من أن تكون السلطة موحدة ومجتمعة لكي تحاول حلّ مشاكل لبنان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، اعتمدت الخلافات وبدأت المناكفات بين بعضها البعض، وهذا الخلاف ورقة قوية بيد الثورة ويُبقي على دينامية الشارع.

الشعب اليوم أكثر وعياً حيث جميع هذه المشاهد أصبحت معروفة ولا يمكن تمريرها، لأنه أصبح ذا خبرة واطلاع على الملفات السياسية، ومعظم من في السلطة، خصوصاً من يتصرف كأن شيئاً لم يحصل، سوف يتلقى الدرس بعد التكليف أو محاولة التكليف بطرقه وأساليبه، لأن الشعب الجائع سوف يكون له بالمرصاد ولن يقبل بحكومة تشبه كوكب قبل 17 تشرين الأول.

لهذا السبب، المرحلة المقبلة حساسة جداً بسبب عدم قبول البعض في السلطة الأمر الواقع الجديد، إذ تم استعمال وسائل مختلفة لإفشال الحراك، ومن الممكن أن نشهد مشاهد أكثر دموية، أي جرّ الثورة إلى الدم والفوضى ولكن بطرق مدروسة لا تشعل حرباً سنية - شيعية ولا مسيحية - مسلمة لأنها ليست من مصلحة أحد، ولا أستبعد من حصول أعمال تصفية أو اغتيالات تؤدي إلى خلخلة الوضع الداخلي.

بعد مرور حوالي 50 يوماً والناس في الشارع، والمؤسسات شبه مغلقة، وأفلاس حوالي 400 مؤسسة من القطاع الخاص، وازدياد نسبة البطالة والفقر، وحالات هلع في المصارف، وارتفاع الأسعار، فمن غير الممكن إحداث أي تسوية في ظل عناد السلطة، وبالتالي فإن الأزمة ستطول، وجميع هذه العوامل تنذر بحالات انتحار وعنف وسرقة وفوضى.

أمسِ انتحر ناجي فليطي بسبب عدم تمكنه من شراء منقوشة لابنته لأنه أصبح عاطلاً عن العمل، واليوم يوجد أكثر من 800 ألف مواطن عاطل عن العمل.

ألا يستحق كل هذا المشهد المأسوي إنتقال السلطة من كوكب ما قبل الثورة إلى الكوكب الذي نعيش فيه اليوم؟