شاعر بنفسية مرهقة

زيد الطهراوي

يهتم النقاد كثيراً بطفولة مصطفى وهبي التل "عرار" الذي عاش بين أبوين متنافرين، فأثر ذلك عليه في شبابه.

والنقاد لم يقصدوا بهذا أن "عراراً" ليس وطنياً، ولكنهم كانوا يلاحظون أن شخصيته متمردة لا تكاد تهدأ، فوصلوا إلى حقيقة هي أن هذا التمرد كان نتيجة للحياة التي عاشها في طفولته

كبر "عرار" ليشارك مشاركة متوترة في أحداث كثيرة سرقت منه شبابه الباكر، بل واستمرت إلى مرحلة متأخرة من حياته

يسجن ثم يخرج من السجن إلى وظيفة ثم يفصل منها، ثم يعود إلى وظيفة أخرى، ثم يعود إلى السجن بعد أن يكون فقد وظيفته.

وهكذا اختلط الأمر على الدارسين؛ هل كان شجاعاً أم متهوراً؟ وهل كان يفعل ذلك بحركة متأنية أم أنه كان مندفعاً بتأثير نفسيته المرهقة؟

حين كان في بداية الأربعين من عمره سجن مع إبنه "وصفي"،

ونظم في السجن قصيدة أكدت أن شاعرنا المبدع كان متألماً بسبب حياته المضطربة، وأنه يشتاق إلى حياة الاستقرار مع زوجته وأبنائه، وبهذا يحتار القارئ ويطلب الفكاك من أسر هذه الحيرة ولا فكاك إلا بالاقتناع بأن الشاعر يفرغ بهذا التهور جزءاً من تضخم القلق في نفسه.

ولا بد من أن نعرف مواقف "عرار" قبل أن نصدر أي حكم عليه؛

لقد هاجم الشاعر المرابين فقال:

/قولوا لعبود عل القول يغنيني

إن المرابين إخوان الشياطين/

وألقى اللوم العنيف على من لم يدافع عن الوطن والأرض فقال:

/أهلوك قد جعلوا جمالك سلعة

تشرى وباع بنو أبي أوطاني

وذووك قد منعوك كل كرامة

وأنا كذلك حارسي سجاني/

وطلب من الناس أن يدفنوه في وطنه فقال:

بحوران اجعلوا قبري لعلّي

أشم أريجها بعد العناء

وبهذا كله يكون الشاعر قد أثبت أنه يكتب الشعر وهو بكامل قواه العقلية والنفسية، وقد كان من القلة التي تعلمت وأبصرت الخطر العظيم من الأعداء والجهل والتجاهل من الأحباب وهو يشاهد تحكم المستعمرين ببلاده ولا يجد مناصراً حتى من أبناء جلدته، فسار وحيداً يتخبط أحياناً بتصرفاته الارتجالية الصاخبة، ويبهر الناس بأشعاره الحكيمة المتزنة.