لا أريد أن أعيش ما عاشه أهلي... حبّ لا حرب

لَكَم انتظرنا هذا اليوم! اللبنانيون، مسيحيين ومسلمين، متحدون تحت راية العلم اللبناني يصرخون ولاءً لوطنهم الذي مزّقته الحرب والانشقاق الطائفي. مشاعر جيّاشة خالجتني، تفاوتت بين الفرح والحزن، الخوف والجرأة، الحب والكره. لم أعد أعرف بما أفكّر؛ أَأُفكّر بوطني، بأهلي، بعملي، بنفسي.

من مشهد جميل وأحلام وردية مُرتجاة إلى واقع مُبهم، مُتفلّت، يغرق في رمال الطائفية المتحرّكة. إنها السكيزوفرينيا اللبنانية. فالمشهد الناصع البياض للثورة في أيامها الأولى حُوّلَ شيئاً فشيئاً إلى مشهد بشع ذكّرنا بسنين الحقد التي عشناها وعاشها أهلنا خلال سني الحرب. لوحة جميلة عمدوا إلى تخريبها لا بل تمزيقها. الخوف الذي كان يتملّكني كبر؛ خوف كبير من المجهول الذي ينتظرنا كلبنانيين. لا أحد يعلم إلى ما ستؤول إليه الأمور، سواء سياسياً أو اقتصادياً. هل سيعلن إفلاس لبنان؟ هل تنهار الليرة؟ هل ستبقى المؤسسات صامدة؟ هل ستتشكّل حكومة؟ أسئلة كثيرة طرحتها على نفسي وحملتها على كاهلي. لا، لست الوحيدة. فعلى رغم جمالية الثورة وأحقية مطالبها، إلا أنه، وبسبب سياسات طبقتنا الحاكمة، صار الوضع صعباً ودقيقاً على الجميع من دون أي استثناء. الشعب رافض لكل هذه الطبقة السياسية التي يدعوها إلى الرحيل، فيما هي تحاول بكل ما أوتيت من قوة التشبث بما تملك، عبر اللعب على وتر الأمن والطائفية من خلال "طابور خامس"، والذي حرّك في نفوسنا رواسب الحرب الأهلية المقيتة.

ذكريات أليمة حاولنا جميعاً كلبنانيين طيّها عادت وطفت مجدداً. فحادثة الرينغ أعادت إلي ما أخبرني به أبي عن خطوط التماس. الشويفات، طرابلس، عين الرمانة، بكفيا... أسماء مناطق سمعتها في ما عايشه جدي، خالي، عمي، جدتي، الجيران... اللبنانيون جميعاً. لا! وأنا اليوم أمثّل كل لبناني: لا نريد حرباً، ولا جرحى، ولا ضحايا ولا رصاصاً، ولا حتى أي صوت مفرقعة. نريد الحياة!

ولدت في لبنان، وعشت في أحضانه 28 سنة، وأريد أن أشيخ فيه. لا للحرب، فلنحذف حرف "الراء" ولنتسلّح بالحب، سلاحنا الأمضى لبناء الوطن.

آن الأوان لهذه الطبقة السياسية، وفي هذه اللحظة المفصلية، ولو لمرّة، أن تُعلي مصلحة الوطن على مصالحها، آن لهم أن يشكّلوا حكومة، وفوراً. حكومة تكنوقراط تحاكينا كشباب، وتحاكي تطلّعاتنا وآمالنا.

"كلكن يعني كلكن" مسؤولون تجاهنا وتجاه لبنان الذي أوصلتموه إلى الهاوية. حتى "كف العفريت" صاح وما عاد يحتمل لامبالاتكم، وصبر أيوب نفد من غوغائيتكم.

"حلّوا عنا" فماذا فعلتم بوطننا؟