الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

تركيا كنموذجٍ لفشل واشنطن في تطبيق قانون "كاتسا"؟

جورج عيسى
تركيا كنموذجٍ لفشل واشنطن في تطبيق قانون "كاتسا"؟
تركيا كنموذجٍ لفشل واشنطن في تطبيق قانون "كاتسا"؟
A+ A-

هدّد الكونغرس الحكومة التركيّة بفرض عقوبات وفقاً ل "قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات" (كاتسا)، إنّما من دون جدوى. استغلّ إردوغان وجود خلاف بين الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب والكونغرس حول طريقة التعاطي معه. لكن "تغليب" ترامب علاقته الشخصيّة القويّة مع إردوغان قد ترتدّ سلباً على قانون "كاتسا" وبالتالي على القدرة الردعيّة للسياسة الأميركيّة.

حدّة خلال الاجتماع

يرى المحلّل السياسيّ جارود تايلور أنّه تمّ تصميم المادّة 231 من قانون "كاتسا" الصادر سنة 2017 مع هدف طموح يقضي بصياغة البيئة الأمنيّة الدوليّة عبر رفع الأكلاف على الدول الثالثة عندما تتعامل تجاريّاً مع الصناعة الروسيّة على المستويين الدفاعيّ والاستخباريّ. تمّ تمرير القانون على خلفيّة النشاطات الروسيّة في أوكرانيا والعمليّات السيبيريّة العدائيّة والتدخّل في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة.

بالتالي، يأتي تخطّي أو تأجيل تطبيق هذا القانون على حساب مصلحة غير مباشرة لكن مع ذلك أساسيّة للأمن القوميّ الأميركيّ. حين زار إردوغان واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، كان اللقاء ودّيّاً مع الرئيس الأميركيّ ومحتدّاً إلى حدّ ما مع خمسة أعضاء جمهوريّين من مجلس الشيوخ بمن فيهم جيم ريش الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس. في الاجتماع الأخير، أفسح ترامب المجال أمام جمهوريّي الكونغرس لكي يطلعوا الرئيس التركيّ على "خطورة" قراره.

سابقة تشجيعيّة

بعدما اشترت الهند منظومة "أس-400" أواخر العام الماضي بقيمة 5 مليارات دولار من موسكو، قال ناطق باسم السفارة الأميركيّة في الهند إنّ "كاتسا" لا يهدف إلى فرض ضرر على الإمكانات العسكريّة ل "حلفاء أو شركاء" واشنطن بل إلى فرض أكلاف عن "سلوكها الخبيث". وأوضح أنّ أيّ إعفاءات تُتّخذ بناء على دراسة كلّ حالة على حدة.

نصّ "كاتسا" في بعض فقرات المادّة 231 على إمكانيّة منح الرئيس إعفاء بشرط أن يرسل نصّ الإعفاء إلى اللجان المختصّة في الكونغرس يشرح فيه أنّ ذلك الإعفاء يخدم "المصالح القوميّة الحيويّة" للولايات المتّحدة. كما يحقّ للرئيس أن يشدّد أكثر العقوبات المفروضة وفقاً للقانون.

في مقاله الذي نشره "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة"، يفصّل تايلور سلسلة الإخفاقات التي وقعت فيها الولايات المتّحدة من خلال عدم تطبيق إجراءات "كاتسا". لقد راحت واشنطن تؤجّل تطبيق القانون من مرحلة إلى أخرى، من الشراء إلى التسليم فالتفعيل ثمّ انتظار تسوية أخرى. كما استخدمت عبارات مبهمة مثل فرض العقوبات "وفقاً للظروف". يضيف الحلّل أيضاً أنّ تأجيل فرض العقوبات على الصين لشرائها منظومة "أس-400" حتى عمليّة التسليم عوضاً عن الشراء، شكّلت سابقة. ثمّ برهن الملفّ التركيّ أنّه بالإمكان تأجيل العقوبات وفقاً لقرارات استنسابيّة من دون تداعيات سياسيّة.


"هديّة" إلى موسكو

لم يكن ترامب وحده من فرّط باستخدام القانون، على الرغم من سعيه في محطّات كثيرة إلى تبرير خطوة تركيا بإلقاء اللوم على سلفه باراك أوباما. فالكونغرس قبِل أيضاً بتأجيل فرض العقوبات مراراً مع أنّه غالباً ما هدّد باستخدمها. أسقط السيناتور الجمهوريّ ليندزي غراهام مشروع قانون في مجلس الشيوخ يعترف بالإبادة الأرمنيّة بعد ساعات على الاجتماع مع إردوغان والذي كان حاضراً فيه. أراد غراهام إبداء حسن نيّة لإردوغان كي يبحث في مسألة التراجع عن شراء "أس-400" كما في إيقاف توغّله شمال شرق سوريا. لكنّ الرئيس التركيّ رأى على الأرجح في تلك الخطوة فرصة لجعل تشغيل الصواريخ الروسيّة أمراً واقعاً.

ينتقد تايلور الإدارة الأميركيّة لأنّها لم تقرن التهديد ببديل هيكليّ يشجّع على التعاون مع الولايات المتّحدة على حساب روسيا. لكن سبق لواشنطن أن عرضت على تركيا شراء "باتريوت" خلال عهد أوباما فرفضت العرض. حتى أنّها ذهبت سنة 2013 لشراء منظومة صواريخ صينيّة قبل العودة عن قرارها.

وقال إردوغان في أيلول لوكالة "رويترز" إنّه مستعدّ لدراسة شراء المنظومة الأميركيّة بشرط عدم التخلّي عن المنظومة الروسيّة. كذلك، طرح الرئيس التركيّ هذا الموضوع في واشنطن لكنّه قوبل بالرفض. من جهة ثانية، أشار تايلر إلى أنّ الإدارة منحت هديّة إلى موسكو عبارة عن تشجيعها على أخذ المبادرة في سياستها الخارجيّة تجاه حلفاء الولايات المتّحدة عبر عرض بيع منظوماتها الدفاعيّة عليها.


"باتسا"

قد يكون تحليل تايلور هادفاً من حيث الخطوط العريضة إلى تصحيح موقف الولايات المتّحدة إزاء التساهل في تطبيق القانون، كي لا يرتدّ ذلك سلباً عليها. لكنّ باحثَين آخرين يريان أنّ التشدّد في تطبيق "كاتسا" مؤذٍ للمصالح التي يريد صونها. عضو مجلس إدارة "مؤسّسة ريتشادر نيكسون" كريستوفر نيكسون كوكس والمخطّط الاستراتيجيّ والماليّ البريطانيّ جايمس آرنولد، عرضا وجهة نظرهما في صحيفة "ذا هيل" الأميركيّة مشيرين إلى أنّ الإعفاءات أكثر إشكاليّة من القانون نفسه. فالتطبيق غير المتساوي للقانون قد يدفع دولة من خارج "نادي المعفيين" إلى البحث عن تحالف مع دولة أخرى. والأمر نفسه ينطبق على الدول غير المتقدّمة التي تبحث عن أسلحة روسيّة متطوّرة وأقلّ كلفة. ويخشى الباحثان من أن يتحوّل قانون "كاتسا" إلى "باتسا" أي "التحوّل إلى أعداء أميركا عبر قانون العقوبات". لكن ما هو البديل؟

يجيب كوكس وآرنولد بأنّ أبرز البدائل يكمن في قانون مكافحة الفساد الأجنبيّ لسنة 1977 والذي يقضي بمعاقبة أي مسؤول ينخرط في الرشاوى للترويج لصفقة بلاده. ويعزّز هذا القانون بحسب رأيهما الشفافية في الدول التي تعاني شعوبها من الفساد إضافة إلى إتاحة الفرصة أمام الشركات الأميركيّة مناقصات عادلة.

على الرغم من أنّ ثمّة اختلافاً عميقاً في مقاربتي كلّ من تايلر وكوكس وآرنولد، لا يخفى وجود نقطة مشتركة بينهما حتى ولو كانت غير مقصودة: عجز الإدارة الأميركيّة سواء عبر تنفيذ أو عدم تنفيذ قانون "كاتسا" عن تحقيق الأهداف التي سعت إليها حين أقرّته. فهل تكون تركيا مدخلاً أميركيّاً لإعادة تقييم القانون أم لإعادة تقييم نظرتها إلى التعامل مع أنقرة؟ قد تكون الفترة المتبقّية من ولاية ترامب أضيق من أن تتمّ معالجة أيّ من هذين الملفّين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم