أزمة المستشفيات تترنح بين مستوردي الأدوية و"المال"

تدور أزمة القطاع الصحي في حلقة مغلقة. مستوردو الادوية ينتظرون أموال المستشفيات والأخيرة تنتظر وزارة الصحة التي تنتظر بدورها وزارة المال لتسديد المستحقات. يبدو واضحاً أن كرة الثلج كبرت وانفجرت امس بعد شهور من الأزمة . لماذا اليوم تحديداً، وكيف انتهت الأمور بعد أن وصلت إلى مرحلة خطرة لا يمكن الاستهانة بها؟ هل تتخذ المصارف قرار تحرير المستحقات بالرغم من إعلانها الإضراب المفتوح؟

نقيب المستشفيات سليمان هارون أعلن بالفم الملآن أن "المستشفيات عاجزة عن دفع مستحقاتها بسبب تقصير الوزارة في دفع مستحقات المستشفيات، وأن هناك 3 أو 4 تجار يبتزّون المستشفيات لدفع ما عليهم خلال مهلة لا تتخطى الـ6 أشهر كحد أقصى و"إلا لن نُسلّم أي دواء لأي مريض في المستشفى". هذا التصريح يُقابله موقف جريء وواضح لنقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جابر الذي أكد لـ"النهار" أن "المشكلة ليست في مستوردي الأدوية وإنما بتقاعس القطاع العام عن التزاماته ودفع مستحقاته للمستشفيات التي بدورها عليها أن تدفع لنا".

وبين حديث النقيبين، يبدو واضحاً أن الكرة أصبحت في ملعب وزارة المال التي بادرت أمس إلى إصدار بيان أكدت فيه أن "جميع مستحقات المستشفيات الخاصة والحكومية المحوّلة من وزارة الصحة قد تم صرفها بالكامل وتحويلها إلى حسابات المستشفيات في المصارف. كما تم صرف المساهمات المقررة للمستشفيات الحكومية".

وأكدت مصادر وزارة المال أنه "تمّ تحويل كل مستحقات المستشفيات والمساهمات إلى المصارف. لكن في ظل إقفال المصارف، كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة؟. "هذه ليست من مسؤوليتنا، لا يمكننا ابتكار آلية لتصريفها، الموضوع عند المصارف وليس عند وزارة المال من خلال تأمين حاجات أساسية وطارئة. علماً أن المساهمات دُفعت بالكامل، بالإضافة إلى المستحقات المتوجبة، منذ فترة دفعنا كل ما كان في وزارة المال، وبالأمس تمّ تصريف كل الملفات الخاصة من وزارة الصحة، أضف إليها المساهمات".

توجه اصابع الاتهام الى مستوردي نقابة الأدوية في لبنان برفع السقف والتلويح بعدم تسليم الأدوية في حال تعذر تسديد مستحقاتهم. في هذا الصدد، يشرح نقيب مستوردي الأدوية الأسباب التي دفعت إلى انفجار الأزمة بالقول "صحيح أن هذه الأزمة كانت موجودة سابقاً لكن الأمر الذي تسبب بانفجارها اليوم يعود إلى توقف المصارف في إعطاء التسليفات (توقيف التسليفات لبعض الأشخاص، أو تخفيضها للبعض الآخر أو تجميدها عند آخرين) وفرض شروط قاسية على التسليفات وسحب السيولة، الأمر الذي انعكس سلباً على المعنيين في القطاع الصحي.

أضف إلى ذلك، أن الفوائد المالية على الليرة ارتفعت لتصل إلى 18% بعد أن كانت 7-8% خلال فترة لا تتعدى السنة. وهذان العاملان (توقيف السلف وارتفاع الفوائد) غيّرا الواقع تماماً، بالإضافة الى أن الدولة اللبنانية تعاني من وضع مالي صعب جداً، وهي غير قادرة على الدفع كما كانت سابقاً.

وأشار إلى أن "كلفة الفاتورة الدوائية المستوردة تبلغ حوالى المليار الدولار سنوياً، أما مستحقاتنا العالقة في المستشفيات فهي نحو 300 مليار ليرة لبنانية، فيما المستحقات غير المستوفاة من القطاع العام فهي أيضاً نحو 300 مليار ليرة لبنانية. ما يعني أن الديون بين المستشفيات والقطاع العام توازي نحو 600 مليار ليرة لهذه السنة، وهذه أرقام كبيرة".

وكشف جابر عن اجتماعات ومشاورات بين مختلف الأطراف المعنية، وقد طُلب من المستورد تأمين 15% من قيمة الدولار بسعر السوق (وصل الى 1900) في حين يؤمّن المصرف بنسبة 85% من قيمة الفاتورة بالدولار بالسعر الرسمي. ما يعني أن المستورد يخسر تقريباً 30-40% من مدخوله".

من جهته، كشف هارون أن "10 مستشفيات موزعة بين بعلبك والبقاع والشمال وغيرها من المناطق، غير قادرة على استقبال مرضى السرطان لتلقي العلاج الكيميائي واكتفائها بمعالجة المرضى الموجودين داخل المستشفى بصعوبة كبيرة، حتى إن بعضها اضطر الى نقل مرضاها الى مستشفى آخر لتأمين تلقيهم العلاج الكيميائي".

المشكلة الأساسية تكمن أن هناك 3 الى 4 تجار أدوية في لبنان مخولين بتأمين الأدوية الى المستشفيات، وهم اليوم يضعون شروطاً تعجيزية حيث يفرضون علينا تسديد مستحقاتهم خلال 5 الى 6 أشهر كحد أقصى، وفي حال عجزنا على تأمين المبلغ عندها سيرفضون تسليمنا الأدوية حتى لو كان المريض في المستشفى وبحاجة للدواء".

وأعلن هارون أن "الاجتماع الذي حصل الاسبوع الماضي مع حاكم مصرف لبنان، والوعود بإيجاد حلّ الثلثاء ذهبت سدى، حيث طلبنا منهم اتخاذ التدابير بالنسبة الى المستلزمات الطبية كما هي الحال مع مسألة الأدوية. أي القدرة على تحويل الأموال الى الخارج وتأمين الدولار بنسبة 85% من قيمة الفاتورة بالدولار بالسعر الرسمي، لغاية الساعة لم نتوصل بعد الى هذا التدبير".