الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ساحة النور: حرّاس المدينة وكرنفال ملون نهاراً ومساحة احتجاج ليلاً

المصدر: (وكالات)
ساحة النور: حرّاس المدينة وكرنفال ملون نهاراً ومساحة احتجاج ليلاً
ساحة النور: حرّاس المدينة وكرنفال ملون نهاراً ومساحة احتجاج ليلاً
A+ A-

خلال ساعات النهار، تتحول ساحة النور في مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى كرنفال يستقطب أولاداً وطلاباً يافعين، قبل أن ترتفع أعداد الوافدين تدريجاً ليلاً وتضج الساحة بهتافاتهم المطالبة برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

ويستقبل متطوعون لبنانيون بسترات صفراء، يطلقون على أنفسهم "حراس المدينة"، المتظاهرين الذين يتدفقون على الساحة للمشاركة في الاحتجاج على الطبقة السياسية في البلاد. ويقوم أعضاء المجموعة بدور درع بشري لحماية المحتجين الذين يحتشدون ضد حكومة يقولون إنها قادت لبنان إلى اضطرابات سياسية وأزمة اقتصادية. وتأسست المجموعة في آب 2015 عندما أشعلت أزمة القمامة حركة احتجاجية. وحاليا يضمن نحو ألف متطوع سلامة موقع الاحتجاج وأمنه ويتولون تنظيم الباعة الجوالين وتوزيع الأطعمة والمشروبات.

في الساحة الواقعة في المدينة المحافظة التي تعد عاصمة الشمال اللبناني، ترتفع قهقهة طالبات يافعات رسم بعضهن العلم اللبناني على وجناتهن النضرة، بعدما قررن ترك قاعات التدريس والمجيء إلى الساحة للمشاركة في التحركات الاحتجاجية.

تلتقط الفتيات صور "السلفي" وخلفهن علم لبنان مرسوم على واجهة مبنى من طبقات عدة يطل على الساحة التي يتوسطها مجسم عملاق لكلمة "الله"، تحتها تعليق "طرابلس قلعة المسلمين". يتمايل بعضهن وبينهن محجبات على إيقاع موسيقى حماسية يعلو صوتها حيناً ويخفت حيناً آخر. ومع وصول تلامذة من مدارس مجاورة، تزداد أعدادهم تدريجاً ويهتفون "ثورة، ثورة". وتقول الطالبة نور خضر (17 عاماً) لفرانس برس، "ما نتعلمه هنا في الساحة أهم بكثير من المدرسة. نتعلم كيف نصنع مستقبلاً ووطناً. نريد أن نتخرج ونجد فرص عمل، لا أن نعلّق شهاداتنا على جدران المنزل".

بين الطلاب، يتجول فتيان صغار ييبعون بالونات مزركشة، يجسّد بعضها وجوه شخصيات كرتونية محببة، يحاولون عبرها استمالة أولاد آخرين يتجولون مع أمهاتهم وسط الساحة. ويحمل فتى صغير ممتلئ البنية عبوة طلاء بلاستيكية صغيرة مع ريشة يتفنن عبرها في رسم العلم اللبناني على وجوه أقرانه، بينهم فتاة انتظرت بفارغ الصبر أن ينهي رسمته على وجنتها، بينما تدعو عبارة على قميص قطني أحمر ارتدته الى "الرقص". وتحولت ساحة النور مساحة مقفلة أمام السيارات ليلاً ونهاراً، ومفتوحة أمام المارة وسائقي دراجات نارية وهوائية يكثر استخدامها في المدينة حيث يعيش 57 في المئة من السكان عند خط الفقر أو دونه.

وينتشر الباعة الجوالون كالفطر. يعرضون على طاولات صغيرة أو عربات مثبتة فوق دراجات عرانيس ذرة نضجت حبيباتها الصفراء وعبوات عصير طازج، بينما تتسلل رائحة الكعك الطرابلسي الساخن أو القهوة العربية من دون استئذان. ويتجول بائع شراب العرقسوس كالطاووس في الساحة، مع طربوشه الأحمر وسترة سوداء مقصّبة بخيوط ذهبية. يحمل ابريقاً عملاقاً فضي اللون على ظهره الذي يحنيه كلما أراد سكب العصير للزبائن تحت أشعة شمس حارقة تذكر بطقس الصيف أكثر من الخريف.

على كراس بلاستيكة، يستريح رجال وشبان، بعضهم ينفث دخان سيجارته عالياً وآخرون يدخنون النراجيل، كما لو أنهم يفرغون كل ما في مكنونات صدورهم، في المدينة التي ترتفع معدلات البطالة فيها ويشكو شبان كثيرون من أنهم لا يجدون فرصة عمل يكسبون رزقهم منها.

مع حلول ساعات الليل، يتوافد شبان ورجال بكثافة إلى الساحة التي تتلألأ أضواؤها تدريجاً ويعتلي منصتها الرئيسية متحدثون لا يعلم المتظاهرون بالضرورة هوياتهم وسط انتشار واضح للجيش اللبناني ومخابراته.

وسرعان ما تبدو الساحة ليلاً قاعة احتفال في الهواء الطلق، يضيء المتجمعون فيها هواتفهم الخلوية ويلوحون بها عالياً كما لو أنها شموع مضاءة. يكررون بعزم هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"كلن يعني كلن" ويؤكدون كما تقول لافتة مرفوعة في الساحة انهم "مستمرون لاسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب" بعد تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته تحت ضغط الشارع نهاية الشهر الماضي.

ونالت المدينة لقب "عروس الثورة" بإمتياز. وبخلاف مناطق أخرى، لم تهدأ وتيرة التحركات فيها مع مواظبة المتظاهرين بلا انقطاع على الحضور مساء كل يوم إلى الساحة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم