"بابا العرب"... عمل درامي أم حلقة في صراع مكتوم في الكنيسة القبطية؟

القاهرة- ياسر خليل
ويأتي الإعلان عن هذا العمل الدرامي بعد نحو عام من تكشف خيوط صراع ظل مكتوماً داخل أسوار الكنيسة القبطية في مصر، بين "الحرس القديم" المحسوب على البابا شنودة، و"التيار الإصلاحي" الذي يقوده البابا الحالي الأنبا تواضروس الثاني، وهو ما يطرح تساؤلات حول علاقة هذا العمل الدرامي بالصراع الذي لم يخل من مقارنات شخصية وتاريخية بين البطريركين القبطيين.

وعلى الرغم من أن السجالات الظاهرة حالياً تركز على جوانب فنية، ومالية، إلا أن التحيزات المسبقة وغير المعلنة تكشف عن علاقة بين العمل الدرامي المرتقب، وعن جوانب من الصراع الدائر في أروقة الكنيسة.

هناك فريق يرى أن إنفاق 70 أو 80 مليون جنيه مصري على عمل يتناول سيرة البابا الراحل، "خطوة غير رشيدة، وأولى بتلك الأموال فقراء المسيحيين الأقباط الذين تتولى الأديرة رعايتهم"، وفريق آخر يرى "أن الأنبا شنودة يستحق أكثر من ذلك باعتباره شخصاً أثر في مسار الكنيسة، وساهم في نشر الإيمان المسيحي، والكنائس القبطية في دول المهجر، وفعل الكثير من أجل الأقباط على مر حياته التي استمرت نحو 89 عاماً".

علاقة مؤكدة

يرى المفكر القبطي كمال زاخر أنه "بالضرورة هناك علاقة بين العمل الدرامي، والصراع الذي تكشفت بعض جوانبه مؤخراً، خاصة ونحن نتحدث عن شخصية أثرت في القرار الكنسي لنحو نصف قرن من الزمان، منها 40 سنة بطريركاً، إضافة إلى 10 سنوات عمل خلالها أسقفاً للتعليم وكان إبانها مقرباً من البطريرك السابق".

ويقول زاخر لـ"النهار": "هذه الفترة لم تكن عادية، لأنها شهدت تحولات عديدة سواء على مستوى الكنيسة أو خارجها، وجرى خلالها تطورات في علاقات الكنيسة بالدوائر السياسية في الدولة المصرية. والبابا شنودة نفسه كان يتمتع بشخصية مؤثرة، ومن ثم فإن كل هذا ينعكس على أي أمر يتعلق به".

ويضيف المفكر القبطي: "إن المسلسل المزمع إنتاجه، هو في نهاية المطاف تعبير عن وجهة نظر محددة، وليس فيلماً وثائقياً. تالياً فإن ذلك العمل الدرامي يتبنى موقفاً محدداً من شخصية البابا شنودة، ونحن نشهد رؤى متباينة عند قراءة تاريخه، ومن هذا المنطلق فإنه من الصعب وجود اتفاق على وجهة النظر التي سوف يقدمها المسلسل، وهذه نقطة مبدئية، بعيداً من السجالات التي بدأنا نستمع إليها عن مصادر تمويل المسلسل، وجوانبه الفنية، والناحية الإنسانية لشخصية البابا في سياقه".

ويتوقع زاخر أن يفجر العمل المرتقب جدلاً واسعاً "فما يراه الناس على السطح هو جزء من الجدل المرتقب، الذي ربما نشهده بعد صدور العمل الدرامي".

أداة للصراع

وتقول الكاتبة الصحافية المتخصصة في الشؤون المسيحية وفاء وصفي لـ"النهار": "إن مسلسل (بابا العرب) قد لا يكون في حد ذاته مرتبطاً بالصراع داخل الكنيسة القبطية بصورة مباشرة، لكنه ربما يستخدم كأداة في هذا الصراع".

وتضيف وصفي: "إن البابا شنودة كان شخصية وطنية، ودينية كبيرة، وهو من حيث المبدأ يستحق أن يحظى بعمل فني يخلد ذكراه ويعرف الناس بمسيرته الطويلة، لكن المشكلة ليست في ذلك، إنها تكمن فيمن يعتبرون أنفسهم (حماة الإيمان)، ويستخدمون شخصية البابا وحب واحترام الكثير من الأقباط له، في إذكاء الصراع مع التيار الإصلاحي الذي يقوده البابا الحالي".

"إن هذا الصراع ليس هدفه حماية الإيمان، ولا علاقة له بمصالح الكنيسة، كما يصورون هم"، تقول الكاتبة الصحافية "إنهم يعقدون مقارنات بين ما فعله البابا شنودة وما اتخذه من مواقف، وما يفعله البابا تواضروس حالياً. إنهم يغفلون الظروف التاريخية التي عاشها كل بطريرك منهما، ويغفلون طبيعة شخصية كل منهما".

البابا الحالي حسبما تراه وصفي "هادئ الطباع، وهذا ينعكس على قراراته ومواقفه، وأسلوب حله للمشكلات التي تواجه الكنيسة والأقباط. هدوء الطبع والتروي ليس مناقضاً لحقيقة أن شخصيته قوية، ولديه قدرة كبيرة على اتخاذ قرارات صارمة وحاسمة، كما شاهدنا خلال أزمة دير الأنبا مقار، مؤخراً".

صراع مكتوم

وتكشف السجالات الدائرة حالياً في الأوساط المسيحية بمصر، عن علاقة أكيدة بين المسلسل التلفزيوني، والصراع الصامت داخل أروقة الكنيسة الأرثوذكسية هنا، والذي تجلت بعض جوانبه بعد مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون في شهر تموز من العام الماضي.

وما إن بدأ السجال حول ميزانية المسلسل التي أشارت تقديرات إلى أنها تتراوح ما بين 70-80 مليون جنيه مصري (الدولار يساوي نحو 16.07 جنيها)، وأحقية فقراء الأقباط بهذه الأموال، حتى نفى القمّص بموا المشرف على مشروع المسلسل والراهب بدير الأنبا بيشوي، صحة هذه التقديرات، وما تم تداوله عن دعوة الدير للتبرع من أجل إنتاج المسلسل عبر أحد الحسابات البنكية.

وقال الراهب في تصريحات إعلامية: "إن الدير ليس لديه أموال لإنتاج هذا المسلسل، القنوات التي سوف تبث هذا العمل داخل وخارج مصر هي التي سوف تتحمل تكاليف الإنتاج، وقد أبدت بعض القنوات استعدادها لذلك".

ويرتبط دير الأنبا بيشوي بمراحل عدة من حياة البابا شنودة، حيث كان يلجأ إليه للاعتكاف. وتقول بعض المصادر إنه كان يدير شؤون الكنيسة من داخله في كثير من الأوقات، وقد شمله برعاية خاصة، وأدخل على هذا الدير الذي يعد أكبر أديرة وادي النطرون الكثير من التطويرات والتحسينات.

ويقول متخصصون في الشؤون القبطية: "إن لهجة الرضا التي أبداها مؤيدون للحرس القديم في الدوائر القبطية عن المسلسل، والمبلغ الضخم الذي رصد لإنتاجه، كانت ستتبدل إلى النقيض تماما، لو تم اقتراح عمل فني يتكلف جزءاً زهيداً من هذا المبلغ، يتحدث عن رحلة البابا الحالي وفكره الإصلاحي، لأن الهدف هو أن يتم حشد الرأي خلف شخصية البابا الراحل، التي يستخدمونها في صراعهم ضد البطريرك الحالي".