الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

اليوم الثاني عشر للثورة ولكلّ ثائر قصّة... "بس قدَّي حلو الشعب اللبناني"

المصدر: "النهار"
ريجينا الأحمدية
اليوم الثاني عشر للثورة ولكلّ ثائر قصّة... "بس قدَّي حلو الشعب اللبناني"
اليوم الثاني عشر للثورة ولكلّ ثائر قصّة... "بس قدَّي حلو الشعب اللبناني"
A+ A-

مضى 12 يوماً وما زالت الثورة مستمرة. يقطع المتظاهرون أو الثوّار الطرقات، كل في منطقته. أمّا رياض الصلح وساحة الشهداء فتحولت طرقاتها إلى مخيّم واسع. وتضم كل خيمة مجموعة أشخاص تعتبر نفسها عائلة كنيتها "لبنانيون".

يجلس في إحدى الخيم كريم أبو زكي، جاء من منطقة عنبال الشوف وأصبحت هذه الخيمة مسكنه منذ اليوم الأول للثورة. وهو موظف في أحد صالونات الحلاقة النسائية في بيروت. طلبه الأوّل هو الحصول على عمل مع معاش لائق ليعيل ذويه.

يشير كريم إلى أنّه يعمل 12 ساعة يومياً ولم يقبض منذ شهور وعندما يحصل على راتبه وهو 700$ يصرفه في اليوم الثاني، فيقول: "ما عم نطلّع مصاري وما عم نعيش متل العالم والخلق". والده عاطل عن العمل بسبب إعلان الشركة حيث كان يعمل إفلاسها وصرفت موظفيها. ووالدته تعمل في الجامعة اللبنانية، يبلع ريقه ويضيف: "ليست معلمة بل تعمل في الجامعة فقط".

يجيب عن سؤال إلى متى ستبقى هنا؟، "إلى أن تسقط الحكومة". يأخذ نصف منقوشة الزعتر من رفيقه ويتناولها شارد البال.

ثائر آخر أصبح مسكنه خيمة في وسط بيروت. هو عبيدة بو حمدان من منطقة غريفة. هو المعيل الوحيد لعائلته خاصة أنّ والده لا يعمل. يدفع إيجار منزله وإيجار محله شهرياً بالإضافة إلى مستلزمات الحياة. يطالب "بإسقاط الحكومة واسترجاع أموال الشعب المنهوبة"، آملاً بأن تسمع صرختهم وأن يجدي نفعاً اعتصامهم. "فمن حقنا أن نتنعم بحياة لائقة".

ويقاطع عبيدة ثائر آخر هو سلام نصر... "الوزراء والنواب لن يشبعوا نهباً". في نظره سرِّح من الجيش بشكل تعسفيّ بعد إصابة في يده. والده سائق باص مدرسة، يعمل فقط في الشتاء. أمّا سلام فهو كابتن صالة وقد قدّم طلب هجرة إلى العراق رغم وضعه المشابه للبنان. يرى سلام أنّه "بلد أفضل بمعاشاته وتأميناته من كهرباء ومأكل وملبس وحتى مكان نوم الإنسان مؤمن في العراق". فلا يمانع أنّ يهاجر إلى بلاد تشهد ثورات طالما أنّ الحياة فيها أسهل وأرحم من لبنان. مؤكداً أنّه "الشخص الأخير الذي سيغادر هذه الساحة" بعد تنفيذ مطالبهم، مضيفاً "كلن يعني كلن".

أمام خيمة أخرى يدخن زياد نوار سيجارته. وتبدو عليه ملامح الثورة من الكوفية الملفوفة على رأسه حتى منظر هندامه. أتى من اللويزة ثالث أيّام الثورة. ومكث في الخيمة حتى هذا اليوم وإلى أن تنفذ مطالبه. حاله كحال معظم الثوار، فمن معاشه الذي يتقاضاه من وظيفته في أحد البنوك، يصرف على شقيقته ووالده الذي لا يملك وظيفة، مشيراً إلى أنّه يتيم الأم. يطالب زياد بـ"محاكمة السلطة الفاسدة" التي صنعت أموالها وأملاكها من "فنادق وقصور وأراضي من جيبة الشعب". وأنّ تستبدل بأناس ذات كفاءة وضمير.

يقول زياد إنّ وجوده في هذه الخيمة وإلى جانب كل هذه الناس جعل منه "شخصاً يتقبل الآخر" الذي كان يتجنب الالتحام به "بسبب ما زرعه فينا السياسيون من طائفية وبغض وتفرقة".

أمّا ميشيل ملّو وهي من منطقة زحلة، تقف أمام السيارات كي تعيق مرور من هم ضد الثورة. موجودة منذ اليوم الأول في بيروت وبين الثوار، مشيرة إلى أنّها "لن تترك الساحة" فوالدها الذي يبلغ 45 من العمر هو مشلول بسبب "غلطة حكيم داخل المستشفى الحكومية" ووالدتها "المأكول حقها" تقوم بثلاث وظائف يذهب قسم من مدخولها كضرائب للدولة. وتضيف قائلة:  "وأنا بجيبتي 500 ليرة ما في غيرها".

تنظر من حولها وتقول متنهدة "بس قدَّي حلو الشعب اللبناني". فبنظرها ما يقومون به هي نهضة فكرية ورقيّ اجتماعي، يضرب الأفكار الطائفية التي زرعت فيهم منذ سنوات عدة.

محاولات لخرقنا من قبل السياسيين والأحزاب

يشكو البعض منهم من سلوك الوسائل الإعلامية التي تسلط الضوء على المهرجانات الليلية، مهمشين بذلك من لا يغادرون الساحة والذين وفق رأيهم "يشكلون أساس الثورة والمعنى الأساسي للوطنية". فهم الذين لم ولن يغادروا أماكنهم حتى تحقيق المطلوب.

ويصف دايفيد يحيى الذين لا يزالون في بيوتهم ولم يستجيبوا لنداءات الثوار بـ"المخدّرين". وقسم منهم يعتبر أنّ "هذه الثورة ستنقلب إلى حرب أهلية". مشيراً إلى أنّه "طيلة 11 يوماً لم يرَ أحداً يتكلم بالطائفية".

دايفيد هو ابن "جريح الحرب" الذي لا يقوى على العمل. فيأخذ هو مهمة إعالة أهله.

أمّا أوفيليا فقالت إنّها "تعمل بدوام مسائي منذ أن كان عمرها 15 سنة" كي تساعد أهلها فقط. مشيرة إلى أنه ليس لديها ما تخسره فستبقى في ساحة الاعتصام إلى أن تأخذ حقوقها.

أخيراٍ وليس آخراً، تحدّث إيلي لـ"النهار" باسم جميع الشباب وفق ما ذكر. يقول: "أنا أعمل في ثلاث وظائف وأحياناً لا أرى إبني لمدة أسبوع". هو أيضاً أستاذ في أحد المعاهد الرسمية. وأشار إلى أنّ "الشعب اللبناني من الصعب جداً أن يؤمن مستقبله"، وأنّه يجب عليه تسديد مبلغ شهري بقيمة 2000$ شهرياً "مش حرام الدولة ما تأمن فرص عمل وتظلّها تحط بجيابها؟". ويضيف: "نحن لا نملك بنى تحتية ولا مياهاً نظيفة ولا حتى كهرباء، هذه حقوقنا وليست مطالبنا". ويشدد إيلي على أن الإيجابية في هذه الثورة أنها "جمعتنا ووحدتنا". مضيفاً "لن نتعب ولن نكلّ فكفاهم مساومة على هلاكنا".

وكشف المعتصمون لـ"النهار" أنّه "من الواضح أن هناك محاولة لخرقنا من قبل الطابور الخامس الذي يدسه السياسيون وزعماء الأحزاب". وقد تم سرقة هاتف أحدهم. كما أنّ هناك بعض الأشخاص التي تحاول استفزازهم عمداً لافتعال مشكل.

وأشار آخرون إلى رؤيتهم لوسائل إعلام تدخل برفقة أحد الأشخاص ولا تأخذ تصريحاً إلا من هذا الشخص الذي يرافقها. وهناك تلفيقات من قبل البعض حول حدوث مشاكل أو وقوع جرحى وهي عارية من الصحة: "فنحن موجودون هنا ليلاً نهاراً ولا يوجد أي خطر طالما نحن موحدون وغير قابلين لأي خروقات"، معتبرين أنّ "ما يتم نشره من تهويل وأخبار تبرز الثورة وكأنها تشكل خطراً على الفرد وعلى الوطن هي محاولات فاشلة لكسرنا".

توحد اللبنانيون وأصبح همهم الأول والوحيد حياة لائقة خالية من الذل والظلم. وكانوا قد توحدوا مسبقاً من خلال حملهم الثقيل وكدهم وراتبهم الذي ينفذ بسرعة فائقة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم