العصفور الجائع

هديل المغربي

في داخل القفص، عُصفور شارد الفكر، خائف القلب، حالم بالحُرية، وبين الخطوة والنظرة خطوط متعرجة تَعصِف في ذِهنه، يسأل نفسه: هل للقفل مفتاح كما أخبروني أول مرة، أم أن المفتاح ضائع هذه المرة؟

يكاد صمتي وقلقي يَخترقان القُضبان الحديدية ولا أحد مُهتمّ! فهم يُحَدقون بي ويَبتسمون بعد ذلك؛ لا أدري لماذا، هل لأني داخل القفص أم لأنهم يفرحون باحتجازي؟! وعندما يذهبون لا يلقون السلام ولا يتركون لي أمل مرة أخرى باللقاء، لذلك ألتزم الصمت وأتمسك بالبقاء لعل ذلك اليوم يأتي وأسمع صوت قَرقعة المفتاح، فهم لا يعلمون أن مكاني بين الغيوم وقطرات الشتاء، عند الغصون الخشبية ونفحات الهواء،

يظنون هنا مُستقر لي وهذا غطائي، لكنّ هذا القفص قاسٍ، باردٌ وأناني.

هم يتنزهون في الخارج ويسلبون حريتي، ألا يعلمون أن الخارج يتسع لي ولهم؟! ففي الخارج صوت وصدى، تكاثر وتزاحم، تعانق والتحام، بينما في الداخل لا شيء سوى تعثر وانصهار.

سوف أكتب لهم بحبوب الطعام "أخرجوني من هنا" وسوف أنتظر حتى يفهموا ويتصرفوا.

وبعد خمسة أيام من الإاتظار، جاء صاحب القفص لكي يطعم العصفور الجائع الذي هو بمثابة تمثال ولعبة للأطفال، فوضع الطعام ونظر إلى العصفور لكنه لم يلمح أي حركة أو صوت، ظن بأنه نائم، ولم يفكر للحظة بأنه منهك التفكير ومفطور القلب، فقد مات وهو ينتظر أن يشم هواء جذوره وأصوله.

فما كان من صاحب القفص سوى استبداله بواحد آخر ذي ألوان زاهية وشكل أجمل!