الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الجمعية الدولية للمديرين الماليين اللبنانيين: غياب المعالجات الفورية قد يتسبب بتداعيات خطيرة

المصدر: "النهار"
الجمعية الدولية للمديرين الماليين اللبنانيين: غياب المعالجات الفورية قد يتسبب بتداعيات خطيرة
الجمعية الدولية للمديرين الماليين اللبنانيين: غياب المعالجات الفورية قد يتسبب بتداعيات خطيرة
A+ A-

إذا كانت الحكومة عاجزة حتى اليوم عن وضع خطة واضحة تقود بها سفينة الإنقاذ الاقتصادي والمالي، فإن مجتمع المال والاعمال اللبناني الاغترابي أخذ هذه المهمة عنها عبر تصويب بوصلة الإصلاح نحو مكامن الهدر والفساد.

وتأتي الورقة العلاجية التي أنجزتها الجمعية الدولية للمديرين الماليين اللبنانيين (LIFE) على وقع احتجاجات الشارع اللبناني، والتي حذرت في مقدمها من "الانهيار الاقتصادي الذي يتجه إليه لبنان، ومن أن غياب المعالجات الشاملة والفورية قد يتسبب بتداعيات خطيرة على المواطنين اللبنانيين من مختلف مشارب الحياة، من خلال الارتفاع الشديد في مستويات البطالة، وخروج التضخم عن السيطرة، واستفحال الاضطرابات الاجتماعية، واندلاع فتنة أهلية، وحدوث تدهور كبير في الخدمات الصحية العامة وغيرها من الموارد الأساسية".

وخلصت الورقة الى "ضرورة اتخاذ سلسلة مدروسة ومنظمة من الإجراءات الفورية والجذرية في خمسة مجالات أساسية، أولها إيجاد هامش تصرف في المجال المالي. إذ أكدت أهمية اتخاذ تدابير لمعالجة الشوائب والمشكلات في العناصر الثلاثة الأساسية التي تقوم عليها المالية العامة، وهي: رواتب القطاع العام والتحويلات الحكومية، والدعم الحكومي المستمر لمؤسسة كهرباء لبنان، وكلفة خدمة الدين السيادي المتضخم.

فعلى مستوى النفقات، يجب أن يتوقف الدعم الحكومي لمؤسسة كهرباء لبنان. وهذه الخطوة، حتى لو بدت غير مستحبّة سياسياً، من شأنها المساهمة في خفض النفقات الحكومية إلى حد كبير، والحد من تدفقات العملات الأجنبية إلى الخارج، والأهم من ذلك، فرض التطبيق الفوري لخطة إصلاحية في قطاع الكهرباء. ويجب أيضا ترشيد القطاع العام من خلال إحصاء أعداد الموظفين ومعالجة مشكلة الموظفين غير المنتجين وأولئك الذين لا يأتون إلى العمل، وإعادة تقييم الأعداد المضخّمة للمؤسسات الحكومية، وتجميد بعض الخدمات المكلفة، واعتماد الخدمات الحكومية الرقمية على نطاق واسع. فهذه الخطوات تساهم في كبح الفساد، وتعزيز مستوى الخدمات، وخفض الأكلاف.

أما على صعيد الإيرادات، فرأت الورقة أنه "يجب التركيز أولاً على تحسين إدارة الضرائب وجبايتها منعا للتهرب الضريبي"، مؤكدة أن "لا جدوى من زيادة الضرائب، في حين أن الضرائب المعمول بها لا يتم تحصيلها كما يجب. وفي هذا الإطار، يجب العمل على تعزيز استخدام الخدمات الإلكترونية من خلال أتمتة عمليات التخليص الجمركي وتطبيق خدمات الحكومة الإلكترونية عند الاقتضاء. وينبغي العمل كذلك على تفعيل جباية الضرائب في القطاع العقاري. ويمكن زيادة الضرائب على السجائر والممارسات المضرة بالبيئة، مثل المخالفات البحرية والمقالع والكسّارات".

وفيما اعتبرت أن "إطلاق الحكومة خطة لإصلاح النظام التقاعدي خطوة مشجّعة"، أكدت "ضرورة احترام حقوق الموظفين الحكوميين الحاليين والمتقاعدين الذين استُخدِموا وفقاً لشروط محددة، إنما ينبغي للحكومة أن تعتمد في المستقبل نظاماً تقاعدياً أكثر استدامة قائماً على مكافأة الموظف وفقاً لدوره وأدائه، وليس فقط سنوات خدمته. ويجب أيضاً رفع سن التقاعد، وربط المستحقات بالتضخم في الأسعار، وتحديد سقف للمساهمة الاجتماعية، فضلاً عن تطبيق إصلاحات أكثر عمقاً مثل اعتماد منظومة موحّدة للضمان الاجتماعي". ودعت الى "العمل فوراً على إطلاق برنامج شامل للخصخصة، عبر النظر في خصخصة مؤسسات الدولة الكبرى مثل مطار رفيق الحريري الدولي، ومرفأ بيروت، واللوتو اللبناني، وشركة طيران الشرق الأوسط، وكازينو لبنان، وشركتَي الخليوي ومؤسسة كهرباء لبنان. ويجب أن تبدأ هذه العملية بإنشاء هيئات ناظمة مستقلة وفرق إدارية جديدة".

ثاني هذه الاجراءات هو إعادة إرساء الشفافية وتعزيز سيادة القانون. واعتبرت الورقة أن "فرض سيادة القانون يؤدي دوراً أساسياً في نهضة لبنان الاقتصادية ويعتبَر شرطاً مسبقاً لاستعادة ثقة المستثمرين. وفي هذا الإطار، "يُشكّل اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد خطوة مرحّباً بها، ويجب أن تتخذ الحكومة تدابير جدّية لتطبيقها من خلال تعزيز استقلال القضاء، وفرض إلزامية كشف المسؤولين عن أموالهم ومقتنياتهم، واعتماد آليات مستقلة للتدقيق المالي، وإجراءات نظامية لاسترجاع الأموال المنهوبة، وفرض عقوبات شديدة وغرامات مالية كبيرة. ونشجّع أيضاً على إنشاء منظومة رقمية لتلقي شكاوى المواطنين وتعليقاتهم في شأن الخدمات الحكومية بغية تحسين المساءلة"، داعية الى تشكيل لجنة مستقلة "لتطبيق مبادرة استرجاع الأموال المنهوبة من أجل استعادة الإيرادات التي نُهِبت بسبب الفساد".

والإجراء الثالث الذي يجب اعتماده وفق الورقة هو مراجعة خدمة الدين العام وتطبيق خطة لإدارة الدين. فتكاليف خدمة الدين العام في لبنان تعتبر من الأعلى في العالم، إلا أنه "من شأن الخفض المصطنع والتبسيطي لأسعار الفائدة على الديون الحكومية أن يلحق الأذى بالسوق التي تتحمل في الأصل التبعات الشديدة للسياسات النقدية غير التقليدية التي انتهجها مصرف لبنان. وفي هذا الصدد، يجب أن تؤدّي المصارف دوراً أساسياً في خطة مراجعة إدارة الديون. ويمكن أن يشمل ذلك إنفاق بعض المساعدات المالية، في مرحلة أولى، من أجل تخفيف الضغوط على الموازنة الحكومية في المدى القصير، بما في ذلك إمكان تطبيق "خطة برادي" (Brady) على المستوى المحلي". وعلى الجبهة النقدية، وبعد اعتماد الخطوات الآيلة إلى ضبط أوضاع المالية العامة، "يتعين على مصرف لبنان التخلي عن سياسة التدخل الواسعة التي ينتهجها لحماية الاستقرار المالي الكلي. وفي هذا الإطار، فإن اشتمال الإجراءات الجديدة على تحويل مالي إضافي من مصرف لبنان هو مدعاة للقلق".

تحسين التواصل وتعزيز التنسيق الحكومي، هو رابع الاجراءات التي يجب أن تنفذها الحكومة، "فعند تراجع الثقة، ينبغي لصنّاع السياسات أن يتواصلوا بوتيرة ووضوح أكبر بغية بث الثقة لدى أصحاب الشأن وطمأنتهم إلى أنه يجري العمل على اتخاذ خطوات للمعالجة. وأصحاب الشأن الأساسيون هم حملة السندات، والمصارف المحلية والدولية، ووكالات التصنيف الائتماني، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ووكالات أخرى متعددة الطرف، ومعاهد بحثية، والأهم من ذلك، الجمهور العام. وبالأهمية عينها، يجب إيجاد حلول للمأزق السياسي المستمر في لبنان. فالبلاد في حاجة ماسّة إلى تحسين سبل التنسيق بين مختلف الأجهزة الحكومية، ولا سيما داخل السلطة التنفيذية. ويقتضي ذلك إرساء إطار جديد في الحوكمة وتسيير شؤون البلاد من أجل التعجيل في آلية اتخاذ القرارات مع تطبيق منظومة الضوابط والتوازنات. وعلى مستوى ملموس، يتعين على الحكومة إنشاء فريق للإدارة الاقتصادية يعقد اجتماعات منتظمة ويكشف عن التقدم الذي أُحرِز".

وختمت الورقة بالاشارة الى أن "النموذج الاقتصادي الحالي يقوم على الطابع الاستهلاكي للاقتصاد، وتدنّي المدخرات المحلية، والاعتماد المستمر على الموارد الخارجية لتعويض العجز التجاري الكبير. والأهم من ذلك، يتألف الاقتصاد اللبناني بصورة أساسية من القطاع العام، وقطاعات البناء والسياحة والخدمات المالية والمهن الصغيرة الموجَّهة نحو البيع بالتجزئة. وما عدا قطاع الخدمات المالية، تعتمد هذه القطاعات على عمّال ذوي مهارات متوسطة ومنخفضة، بما يحد من الفرص المتاحة أمام اليد العاملة اللبنانية المعروفة بمهاراتها العالية ويتسبب بتراجع قدرة البلاد التنافسية. ومعظم تلك القطاعات موجّهة نحو الداخل، وهو ما يتسبب باستمرار العجوزات التجارية الكبيرة". واقترحت الورقة أن تترافق الخطة الهادفة إلى ضبط أوضاع المالية العامة مع رؤية اقتصادية جديدة تعمل على معالجة العجز في الحساب الجاري. وخلصت الى التأكيد أنه "لا يمكن تحقيق النهوض الاقتصادي في لبنان إلا من خلال العمل على إعادة بناء قيادة سياسية واقتصادية راسخة وقوية وتطبيق إصلاحات جوهرية وبرنامج مالي شامل، بما يساهم في استعادة الثقة وزيادة الاستثمارات وتوليد آفاق نمو أفضل".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم