ساحة النور تعجّ بالمحتشدين... يوم صاخب على رغم قرارات الحكومة

طرابلس -رولا حميد

رغم إعلان رئيس الحكومة #سعد_الحريري بنود الورقة الإصلاحية التي اتخذت قرارات بها في مجلس الوزراء الذي عقد عند العاشرة والنصف صباح اليوم، لا تزال ساحة النور تعج بالمحتشدين، رافعين الرايات اللبنانية، في مشهد موحد، لا يختلف عن مشهد الأمس غير المسبوق بكثافة الحضور الشعبي، ونبذ التفرقة على مختلف أصنافها ومستوياتها.

الحشد ضخم، لم يترك ثغرة فارغة في الساحة التي تناهز مساحتها السبعة آلاف متر مربع، أو يزيد قليلاً، وأصوات مكبرات الصوت ما انفكت تبث الأناشيد الحماسية، بالترافق مع أصوات المحتشدين. وعلى الأطراف أقيمت حلقات التسلية، في وقت عمدت بعض مؤسسات المدينة على تقديم ضيافة الحلوى والمكسرات والماء والبوظة وخلاف ذلك على المحتشدين المعتصمين منذ ساعات في عز الشمس الحارقة.

وفي النهار، شهدت المدينة الإقفال التام في المدارس، والمصارف، والمؤسسات، وكانت الحركة بطيئة في السوق، والمحلات التجارية القليلة التي فتحت أبوابها، بينما التزمت الأغلبية الإضراب والإقفال، وأقام الأصحاب حلقات قرب منازلهم، ومحلاتهم يرتشفون القهوة، ويتبادلون الآراء فيما يجري.

مع اقتراب الظهيرة، بدأت الحشود بالتوافد بكثافة إلى الساحة على خلفية القرارات المنتظرة من الحكومة، بينما كان الحشد في ساحة النور حتى قبل الظهيرة لا يزال بالمئات.

الحشد يطالب بالتغيير، ويريد الإصلاح الشامل بحسب تصاريح مسؤولين فيه، وإصرار الحشد على المضي في تحركه. وقد حضر في الحشد شباب جدد مستقلون من دعاة التغيير، والتحرر خصوصاً من التبعية للسياسيين، فقال الشاب خالد وهو يحمل صورة معبرة فيها شاب يحمل خروفاً على ظهره، ويحاوره بما يعني: "نحن اللبنانيين سنكون مثل الغنم، إذا ظللنا متبعين للسياسيين، وسيكون مصيرنا الذبح، وهذا ما كدنا نصل إليه لولا هذا التحرك".

الكل يتساءل إلى أين نحن متجهون، وعلامات القلق بادية على الوجوه من المجهول، فإذا سقطت السلطة، فمن يعيد البناء في غياب تبلور قيادة واعية وواضحة الرؤى للساحة؟ سؤال على كل شفة ولسان.

بعض فتيات قدمن من الضنية متطوعات، قالت إحداهن إننا "نريد الاشتراك في التغيير، ونتطوع لرسم العلم اللبناني على وجوه وأكتاف الراغبين تعبيراً منا عن الالتزام بوحدة الصف، والموقف تحت راية واحدة هي العلم اللبناني".

تشتهر طرابلس بالشباب الحماسيين الذين اعتادوا أن يلهبوا المظاهرات بالنداءات، وهذا ما بدا منذ صبيحة اليوم، مركزين على هتافات: ثورة.. ثورة..

استغل الباعة الفقراء الحشود، وحضروا يمنون النفس بمدخول أفضل من بقية الأيام على ما قال محمود، بائع البليلة، حبوب الفول والحمص المسلوقة مع بعض بهارات وقطع حامض.

والشباب الصغار حضروا، ورسموا على وجوههم علم لبنان، فـ"ليس عندنا مدرسة، والتحقنا بالتحرك"، يقول أحدهم ضاحكا.

أما حشود الأمس، فكانت غير مسبوقة، وغطت الساحة برمتها، وضمت حشوداً من مختلف الفئات والميول والمذاهب والأعمار والمناطق، وظلت حتى ساعات متأخرة من الليل محتشدة، تقضي الوقت بالغناء، والفرح، رغم مشاكلها الاقتصادية، وما خلفها تجاهل السلطات لواقعهم الحياتي، ورفعت أعلام لبنان، وعلما يؤكد على طائفية التحرك برسم هلال وصليب عليه.

وجاءت التحركات لتؤكد على وجه طرابلس اللاعنفي، المسالم، الذي يحب الفرح والحياة، ينقض أحادية الصورة التي رسمها الإعلام سابقاً عنها كمدينة مقفلة، تكتنز العنف، خصوصاً منه العنف الديني، فأسماها البعض "تورا بورا".

ظلت الدبكة والأناشيد الحماسية، والأغاني الوطنية تتردد حتى الثالثة صباحاً، قبل أن يقفل شبان ناشطون، مفعّلون للحركة على أصوات إيقاعات موسيقية صاخبة أحبها الشبان الجدد، وعبرت عن حماسهم الكبير وتوقهم لمستقبل واعد.

ويصل النهار إلى نهاياته، لكن الأجواء هي عينها بين الأمس واليوم، بانتظار أن يظهر أي موقف أزاء قرارات الحكومة، قبولاً، أو رفضاً، أو تحفظاً، وحتى ذلك الحين، تستمر الأجواء على ما هي عليه في الأيام الماضية.