"كيروس" للسينمائي اللبناني - الأوسترالي بول بركات يجول العالم: متلازمة داون لا تحدّد هويّة الإنسان

بعد فوزه بلقب "فيلم العام" في مهرجان الأفلام اللبناني في أوستراليا، يجول "كيروس" العالم. من المكسيك وبالتحديد أوازاكا، محطته التالية كانت الولايات المتحدة. أما الصالات الأوسترالية والنيوزيلاندية فستحتضنه آخر السنة. بطلُ القصّة يُجسّدُ شخصيّة ملاكم يتفاعل معه المُشاهد. أراده مخرج وكاتب السيناريو الأوسترالي بول بركات، المتحدّر من أصول لبنانية، ذو متلازمة داون، ليُسقِطَ مفاهيم الاختلاف الخاطئة عبر الشاشة الكبيرة. جلّ ما يبحث عنه السينمائي، كَسر جدار الخوف، تغيير الصورة النمطيّة وتبديد الأحكام المسبقة التي يطلقها المجتمع، خصوصاً تلك المرتبطة بمشاعر الشفقة. يقول لـ"النهار" إنّه اختار كريس بانتون للعب الدور الرئيسي كونه شغوفاً وطموحاً وحالمًا. هو بطل أولمبي مستقلّ، لديه عمل ومثّل أدواراً ثانويّة. "إنّه إنسان مذهلٌ، ممثّلٌ يقوم بخياراتٍ رائعة خلال التصوير؛ فمتلازمة داون لا تحدّد الشخص الذي هو، بل هي جزء من كلّ المزايا الأخرى التي تكوّن هويّته". رغب بركات أن يتحدّى توقعات الجمهور ويبدّل فكرة من عليه أن يلعب الأدوار القيادية في الأفلام؛ "فالتعليقات وردّة فعل الصحافة عن قوّة كريس شهادة مهمّة".

منذ سنّ الشباب ومن مقاعد الجامعة، صمّم اللبناني-الأوسترالي قصّته. حمل الرسالة وحَلمَ بأن ينجز مشروعه قبل أن يبلغ سنّ الأربعين. درّس الكتابة والإخراج لعشر سنوات، استلم قسم الأفلام في أكاديمية الأفلام والمسرح والتلفزيون في وايلز ـ أوستراليا. عمل على تحقيق هدفه فاستغرقته بلورة "كيروس" التي تعني في الإغريقية "الفرصة الأكبر"، خمس سنوات من العمل الدؤوب والجهد المتواصل والتمويل الفردي. والفيلم مدّته ساعة ونصف الساعة، وهو ناطق بالإنكليزية.

منذ انطلاقته في 2017، بدأ "كيروس" رحلته حول العالم في المهرجانات الدولية والمحليّة. بحسب بركات: "صُنِّفَ بين العشرة أفلام النهائية لعام 2019 في مهرجان ملبورن الدولي ـ أوستراليا، وفي مهرجان أوازاكا في المكسيك. اختيرَ فيلم العام 2019 في مهرجان الأفلام اللبناني في أوستراليا. هذا وكان قد دُعيَ في سنة 2018 من قبل "الفاتيكان" للمشاركة في مهرجان الحوار بين الأديان، تارثيو ميللينيو، في روما حيث حصد جائزة أفضل فيلم".

بصمة عائلية لبنانية-أوسترالية

شارك في إعداد وإنتاج "كيروس" كلّ من والد بول وزوجته وعدد من الأقارب: "حتّى ابنتي التي تبلغ عشر سنوات لعبت دوراً صغيراً فيه". يتطلّع السينمائي للاستحصال على رخصة لعرض منتوجه في صالات العالم ويصرّح: "نحن فخورون بالعمل الذي أنجزناه، وآمل أن أعرض "كيروس" في لبنان، وأن أصنع يوماً ما فيلماً مع طاقم لبناني، وقصّة لبنانية".

بول بركات، المنتمي إلى الجيل الثاني من المغتربين، اكتشف خلال الحرب، للمرّة الأولى، وطن أجداده وضيعته الشمالية كفرصغاب في عام 1988 في سنّ الثامنة أثناء زيارة البلد مع العائلة. أبوه وُلِدَ على متن طائرة متجهة إلى أوستراليا عام 1952، ووالدته وطئت قدماها سيدني في السبعينيات. يفهم بركات العربيّة بفضل جدّته. وحمل في ذاكرته من رحلته إلى لبنان "الناس، القرية، الثقافة". يشرح: "احتفظت بصور سفري الأوّل لوقت طويل... كلّ حياتي. قدمتُ من دولة آمنة إلى مكان يشهد أحداثاً خطيرة، فأيقَنتُ ما يحصل في الناحية الثانية من العالم، ما جعلني أهتمّ بجوهر الانسان متخطّياً تحدّيات الاختلاف؛ وهذا ما أجسّده في عملي".

نمى شغف بركات للسينما منذ صغره. كان يعدّ فيديوات قصيرة مستخدماً كاميرات قديمة. حفّزه والده على مشاهدة أنواع عديدة من الأفلام: فرنسية وإيطالية ومصرية وروسية ناهيك عن الأميركية. تأثّر بالواقعية الجديدة في السينما الإيطالية، ويعلّق أنّه لاحظ أوجه شبه كبيرة في طرق العيش الإيطالية واللبنانية. بدأ مسيرته بعد تخرّجه بإعداد أفلام قصيرة، أمّا اليوم فيتوجّه إلى إنجاز الطويلة منها.

رسالته التي يحملها عبر "كيروس" هي "عن تقبّل الذات. يسأل: "إذا كنا لا نحبّ أنفسنا ومن نحن، فكيف باستطاعتنا أن نحبّ الآخرين ونتقبّل الأشخاص الذين علينا أن نعيش معهم؟!".