هل هناك اختلاف بين أدمغة الرجال والنساء؟

جاد محيدلي

لا شك أن هناك اختلافات كثيرة في تكوين أجساد النساء والرجال. وأمضت جينا ريبون، اختصاصية علم الأعصاب المعرفي، عقوداً في دراسة اختلافات أدمغة الرجال والنساء، وعرضت نتائج أبحاثها في كتابها الجديد "الدماغ المنمّط جنسياً". وتصف ريبون الكثير من النظريات حول الاختلافات بين الرجل والمرأة على أنها خرافات، لا تلبث أن تختفي حتى تظهر في هيئات مختلفة. إذ ركزت إحدى أقدم النظريات على أن حجم أدمغة النساء أصغر من أدمغة الرجال، واستخدمت هذه النظرية كدليل على أن المرأة أدنى فكرياً وثقافياً من الرجل. ومع أن أدمغة النساء أصغر بالفعل بنحو 10% من أدمغة الرجال، لكن هذا الافتراض مليء بالمغالطات. وتقول ريبون: "إذا كان حجم الدماغ هو المعيار في تحديد الذكاء، فإن الأفيال والحيتان لديها أدمغة أكبر كثيراً من أدمغة الرجال، لكنها ليست أكثر ذكاء". ثم إن هناك اختلافات في أحجام الأدمغة بين بعض الرجال وبعضهم الآخر كما بين النساء وبعضهن الآخر. وتقول ريبون إن دراسات أثبتت أن الجسم الثفني، الذي يسمى بالمقرن الأعظم لأنه يربط بين الشق الأيمن والأيسر من الدماغ، أكبر لدى النساء منه لدى الرجال. واستخدمت هذه المعلومة لتبرير الكثير من الصور النمطية عن المرأة، منها أن النساء غير قادرات على التفكير، لأن هذا الجسر الكبير "الجسم الثفني" يسمح بسهولة التواصل بين الشقين، ومن ثم تشوش مشاعرهن في الشق الأيمن على عملية التفكير في الشق الأيسر من الدماغ. لكن هذه الدراسات مبنية على ملاحظات عدد قليل من المشاركين، واستخدمت في القياس أساليب بدائية، وحتى الآن لا يزال من الصعب تحديد الفروق في بنية الدماغ بين الرجل والمرأة.

وبحسب الدراسات التي أجرتها ريبون، فإن الهرمونات تؤثر أيضاً على أدمغتنا وسلوكياتنا، لكنها تقول إن الأدلة كثيراً ما يساء تأويلها للانتقاص من قدر المرأة. وفي دراسة أجرتها ديان روبل بجامعة برينستون، طُلب من مجموعة نساء تدوين الأعراض السابقة للحيض. لكن الباحثين حددوا لهن مواعيد خاطئة لبداية الدورة الشهرية بناء على تحاليل دم زائفة. ولاحظ الباحثون أن المشاركات اللائي اعتقدن أنهن في الفترة السابقة للحيض، كن أكثر عرضة لتسجيل أعراض ما قبل الحيض. وهذا يؤيد فكرة ظهور الأعراض لمجرد توقع حدوثها وأنها غير مرتبطة بالضرورة بالدورة الشهرية. وتقول ريبون إن هذا لا ينتقص بالطبع من تأثير التغييرات الهرمونية المصاحبة للدورة الشهرية على الحالة النفسية والمزاجية، لكن تأثيرها لا يقارن بتأثير التوقعات والمعتقدات. فإذا اعتقدت المرأة أنها عصبية المزاج، وأن هذا التغير في حالتها المزاجية يرتبط بالدورة الشهرية، فستحقق توقعاتها حتى لو كانت خاطئة. وتقول ريبون إن بعض الدراسات أثبتت أن المرأة تتحسن قدراتها المعرفية في بعض الفترات أثناء الدورة الشهرية. إذ لوحظ أن هرمون الأستروجين يسهم في تحسين الذاكرة العاملة اللفظية والمكانية خاصة عندما يصل إلى أعلى مستوياته. كما تتحسن الاستجابة للمعلومات الحسية أثناء فترة الإباضة.

وبحسب ريبون، تلعب الثقافة دوراً كبيراً في غرس الفروق بين الجنسين، إذ أن الاختلافات في بنية الدماغ بين الجنسين تنشأ بالتربية أكثر مما تنشأ بالفطرة. فمن المعروف أن الدماغ يمكن تطويعه بالتجربة والتدريب. فالصبيان والفتيات قد يتعرضوا منذ نعومة أظافرهم لأشكال التنميط الجنسي التي تحثهم ضمنياً على أن يسلكوا سلوكيات معينة أو يؤدوا أدواراً معينة بحسب نوع الجنس. وتعتبر ريبون إن تصنيف الألعاب بحسب نوع الجنس له تأثيرات كبيرة على أدمغة الأطفال منذ المراحل الأولى من العمر، لأن أوقات اللعب تعد بمثابة فرص للتدريب يتشكل خلالها دماغ الطفل. وخلصت دراسة أجرتها عالمتا النفس ميليسا تيرليكي ونورا نيوكومب إلى أن ألعاب الفيديو، مثل تتريس، تنمي المهارات المكانية لدى الفتيات وتسهم في تقليص الفوارق بينهن وبين الأولاد في هذه المهارات. وفي النهاية، ترى ريبون أننا إذا اعتقدنا أن هناك اختلافات بين أدمغة الرجال والنساء، وأن "هذه الاختلافات يترتب عليها فروق في المهارات والأمزجة والشخصيات، ستتأثر حتما نظرتنا لأنفسنا وإمكانياتنا أو نظرتنا لغيرنا وتوقعاتنا لإمكانياتهم بحسب النوع الاجتماعي، فكل دماغ له تركيبة وخصائص وقدرات تميزه عن غيره، لكن هذه الخصائص والقدرات لا ترتبط بالضرورة بنوع الجنس الذي ننتمي إليه".