منغوليا: حقيقة البلد

سهى عطا الله ـ خبيرة دولية

كنت أوضّب حقيبة السفر حين سألني ابني ريان ابن الثلاثة عشر عاماً، إلى أين سوف تسافرين هذه المرة يا ماما؟ فهو وأخوه اعتادا سفري الكثير مؤخراً بسبب تعييني نائب رئيس المنظمة العالمية للتغليف، ما يضطرّني إلى أن أسافر كثيراً إلى بلدان عديدة كالصين وروسيا وأوستراليا وأميركا. أجبته: هذه المرة سوف تكون رحلتي إلى منغوليا، فعاود السؤال مرة أخرى وقال لي: هذه المرة أخبريني الحقيقة من دون مزاح إلى أين؟ فقلت له لا أمازحك، إنني متوجهة إلى منغوليا، فما كان منه إلا أن سألني: "شو رايحة تعملي عند المنغول؟". هذه العبارة المليئة بالسخرية والعنصرية التي نسمعها في الشارع اللبناني وترددها كل الأجيال.

استأت منه وأنّبته على استعمال هذه العبارة وشرحت له موضحة أن ما يقوله غير صحيح، وأن استعمال كلمة منغول لذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون من متلازمة داون غير مرحب بها، وأن منغوليا بلد عريق ذو تاريخ عظيم، فهم هزموا الصين واحتلوا معظم العالم أيام جنكيز خان.



بدأت الرحلة الطويلة ووصلت إلى أولان باتور عاصمة منغوليا، كصورة أولى وكل ما توقعته كان معاكساً للحقيقة المتوقعة. أولان باتور مدينة حديثة يوجد فيها العديد من المباني الشاهقة والمتنزهات العامة الجميلة والحدائق المليئة بالألعاب والأدوات الرياضية للاستخدام العام. كل شيء كان منظماً ومرتباً. لدهشتي لم أرَ أي قمامة في الشارع كما أرى في مدينتي الحبيبة بيروت. في ما يتعلق بالبنية التحتية، دُهشت لرؤية أن لديهم خطوطاً خاصة للمشاة وسائقي الدراجات!! الأمر الذي نفتقده في بلدنا.

يوماً بعد يوم تكتشف قصصاً جديدة. لم أنتظر ست ساعات لتُقطع الكهرباء. فالكهرباء عندهم لا تنقطع قطّ، والإنترنت لم تنقطع أيضاً عن هاتفي، ولم تبطئ سرعته. ولم ينقطع خطي عدة مرات كما أعاني في بيروت.

علاوة على ذلك، نظام النقل العام في منغوليا منظم وحديث من الترام (Tram) والقطارات والحافلات وهو مثير للإعجاب. وهنا أيضًا بدوت حزينًة لأنني أفتقد استعمال النقل العام في بلدي لسوء تنظيمه وعدم وجود قطار في لبنان، علماً أنه كان موجوداً قبل الحرب.

ومن الأمور التي لفتتني أيضاً هو دور المرأة المميز والريادي الذي تؤديه في منغوليا، لم أدخل إلى مصنع إلا ولمست أن للمرأة دوراً كبيراً ومنصباً عالياً، وهي متواجدة في الحكومة وفي مناصب مهمة في الدولة، ونحن في لبنان ما زلنا في بداية هذا الطريق.

أما بالنسبة إلى التغليف الذي كان سبب زيارتي، فوجدت أن مستوى التغليف الصناعي والاستهلاكي في منغوليا لمنتجات الألبان والأجبان واللحوم متطور جداً، ويقارب مستوى التغليف المستخدم في الدول الأوروبية، ولديهم أنظمة متطورة غير موجودة في لبنان مثل نظام Ecolean لتعبئة الحليب السائل والذي يتمتع بخفة الوزن وسهولة الاستعمال من قبل المستهلك.

لا أستطيع التحدث عن منغوليا دون ذكر منطقة الأرياف بعيداً عن العاصمة المتطورة. ريف منغوليا مليء بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تحدها السماء الزرقاء، وقطعان الأغنام والأبقار التي ترعى بلا هوادة، فتخال نفسك أمام لوحة، وفي بعض الأحيان تفاجئك الخيول البرية وهي تركض في الطبيعة كاسرة صمتها الساحر. منغوليا هي دولة ذات برية بدائية. حافظت على ثقافتها وعاداتها وتراثها البدوي التي لم تمسها التأثيرات الغربية، حيث يعيش المغول نمط الحياة البدوية نفسه منذ قرون. وما زال البدو في الريف يعيشون في الخيم ويتنقّلون حوالي 4 مرات في السنة للحصول على مراعٍ جديدة لقطعانهم. كان لي الحظ بقضاء عطلة نهاية أسبوع مع الرعاة، فاستمتعت بكرم ضيافتهم ودفئهم وأسلوب معيشتهم البدوي.

منغوليا بلد غير متخلف على عكس كل ما نسمعه في الشارع اللبناني، فهم شعب يحافظ على حضارة بلاده ويتمسك بالعادات. كما لمست جديتهم في العمل. إنهم شعب حريص على العمل وتحسين وتطوير اقتصاده وزيادة صادراته بعيداً عن السياسة والدين والطائفية السياسية التي نعاني منها في لبنان التي تؤخر اتخاذ أي قرار من تشكيل الحكومة إلى إقرار الموازنة وتعيين أي موظف وحل مشكلة الكهرباء التي هي دليل واضح على تخلفنا!! فنحن من البلدان النادرة جداً في العالم التي مازالت تعاني من مشكلة الكهرباء.



إنه لأمر محزن حقاً أن نرى منغوليا، الدولة النامية التي نسخر منها، أكثر تقدماً منا في بنيتها التحتية والكهرباء والاتصالات وإدارة النفايات وحتى المياه. فنحن نستعمل أسوأ الكلمات وأكثر العبارات العنصرية بوجه بعض شعوب العالم، ولكن، صدقاً، هم أفضل منا بكثير، فهم شعب لا يرمي النفايات على الطرقات، ولا يخالف قوانين السير. وهم منظمون يحترمون القوانين وهذا ما يساهم في نجاح دولتهم ومساعدتها على التقدم والتطور. فالشعب هو الأساس وليس الدولة. فلنبدأ من القاعدة وصعوداً، فلنحاول أن نجعل بلدنا بلداً متطوراً وناجحاً. فلنحترم باقي الشعوب، علّنا نصبح مثلها من ناحية التطور، ولنبتعد عن الغرور ولنعمل لصالح بلدنا.