الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل ينوي بوتين البدء بتخفيف دعمه لمادورو؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل ينوي بوتين البدء بتخفيف دعمه لمادورو؟
هل ينوي بوتين البدء بتخفيف دعمه لمادورو؟
A+ A-

لا تقليص ولا توقيف

باتت فنزويلا ساحة لصراع دوليّ بين موسكو من جهة وواشنطن والغربيّين من جهة أخرى. لكنّ هذا الصراع الاستراتيجيّ يعجز عن تفسير كامل الصورة، لأنّ ثمة تحليلات تشير إلى أنّ الدعم الروسيّ قد لا يكون غير محدود، في تناقض مع نظرة شبه كلاسيكيّة في هذا الموضوع.

ذكر "معهد فرصوفيا" أنّه بمجرّد مغادرة مادورو فنزويلا باتّجاه روسيا، وصلت مجموعة من الخبراء العسكريّين إلى فنزويلا من دون تفاصيل واضحة عن عددها، علماً أنّ المعهد أشار إلى احتمال أن يكون هؤلاء قد ذهبوا لصيانة التجهيزات العسكريّة التي باعتها موسكو إلى كاراكاس. بالنسبة إلى مؤسّسة الرأي نفسها، "لا شكّ في أنّ روسيا لن تقلّص أو توقف دعمها لفنزويلا. على العكس تماماً، في الواقع – كلما تمّ فرض المزيد من العقوبات من قبل الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، أصبح الانخراط الروسي في دعم نظام مادورو أقوى".


يكرّر التاريخ

لا ينقص فنزويلا أو نظامها أي مصلحة استراتيجيّة وماليّة واقتصاديّة يمكن أن تفيد الكرملين في مقابل حمايته. بالتوازي، ثمّة مؤشّرات أخرى تظهر روسيا كأنّها ذاهبة إلى الصراع السياسيّ مع الولايات المتّحدة إلى مداه الأقصى. لعلّ ما كتبه صاحب شركة الاستشارات الإعلاميّة والسياسيّة "رايت هوك كونسالتينغ" براين بورجس يسلّط الضوء على هذه المفارقة.

في 24 أيلول، عرض بورجس وجهة نظره من خلال مقال له في موقع "ذا كابيتوليست" الذي يرأس تحريره، عبر الإشارة إلى أنّ ما تفعله روسيا في فنزويلا يشبه ما فعله الاتّحاد السوفياتي في كوبا خلال الخمسينات والستينات والذي أدّى إلى أزمة الصواريخ الكوبيّة في نهاية المطاف. وعنى بذلك إرسال الكرملين قاذفتي "تو-160" الاستراتيجيّتين والقادرتين على حمل صواريخ كروز النوويّة الحراريّة "خ-102". كذلك، أرسل أنظمة صواريخ "أس-300" إضافة إلى عدد من "الخبراء" (التشكيك لبورجس) من أجل حماية الرئيس الفنزويلي من أيّ محاولة انقلابيّة.

اللافت في زيارة مادورو أنّها جاءت على وقع توجيه الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب انتقاداً له في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة بعدما وعد بمواصلة الجهود "لدعم الشعب الفنزويلي كلّ يوم إلى أن يتحرّر في نهاية المطاف من هذا الاضطهاد الرهيب. هذا سيحدث". وأعلن ترامب كلامه خلال قمّة جمعته في نيويورك مع قادة عدد من دول أميركا اللاتينيّة. تقاطعت أخبار تقارير إعلاميّة كثيرة عند عدم توقيع الطرفين على عقود جديدة. "معهد فرصوفيا" لم يرَ في هذا الحدث أيّ إشارة غامضة. لكنّ الباحث في برنامج أوراسيا التابع ل "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة" ماكسيميليان هَس كان له رأي مخالف.

تراجع العلاقات الاقتصادية والعسكرية

منذ يومين، كتب في صحيفة "موسكو تايمس" مقالاً لاحظ فيه أنّ أوّل ما يمكن استخلاصه من الاجتماع هو مواصلة روسيا دعم مادورو لكنّ إرادتها في استثمار المزيد من أجل تحقيق هدفه محدودة. أخبر بوتين نظيره الفنزويلي أنّه "من غير العقلانيّ" مقاطعة الحوار مع المعارضة علماً أنّ الأخير انسحب منذ أسبوعين فقط من المحادثات. وبعد زيارة مادورو روسيا في كانون الأول 2018، نشر مادورو شريطاً على "تويتر" يقول إنّ روسيا وافقت على استثمار 5 مليارات دولار في قطاع النفط ومليار دولار في قطاع المناجم. لكنّ روسيا لم تعلن عن استثمار كهذا.

وأشار هَس إلى أنّ الكثير من الأعمال الروسيّة توقّفت في كاراكاس ومن غير المتوقّع أن تعاود نشاطها قريباً، إضافة إلى أنّ حجم مبيعات الأسلحة تقلّص بشكل كبير: من 10 مليارات دولار بين 2005 و 2010 إلى مليار واحد بين 2012 و 2015. ومنذ ذلك الحين، لم يتمّ الإعلان عن صفقات جديدة.

خلال استقباله مادورو، شدّد بوتين على أنّ بلاده "تدعم باستمرار جميع السلطات الشرعيّة بما فيها المؤسّستان الرئاسيّة والبرلمانيّة". بذلك، بدا بوتين كأنّه على مسافة واحدة من الموالاة والمعارضة. لا يزال الرئيس الروسيّ، حتى إشعار آخر، داعماً أساسيّاً لمادورو. لكن في الوقت عينه ثمّة احتمال في أنّ الكلمات التي اختارها منذ ثلاثة أيّام أمام ضيفه تتضمّن إشارات إلى أنّ النظرة الروسيّة لمستقبل البلاد في طريقها إلى التغيّر.

تنافس بين الاقتصاد والاستراتيجيا؟

الباحث في "معهد أميركا اللاتينيّة" ومقرّه موسكو دميتري روزنتال قال في حديث إلى شبكة "إذاعة أميركا" إنّه لا يعتقد أنّ اللقاء بين الرئيسين حدّدته المسائل الاقتصاديّة لأنّ الأمور بالغة التعقيد حاليّاً للقيام باستثمارات في الاقتصاد الفنزويلي، لأنّ كاراكاس عاجزة عن ضمان أمن المستثمرين إضافة إلى المشاكل التي تفرضها العقوبات الأميركيّة. على عكس هَس، لا يرى روزنتال أنّ الكرملين يمكن أن يكون قد "تعب من فنزويلا"، وهو تحدّث عن أنّ كاراكاس وقفت إلى جانب الكرملين في قضايا القرم وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة. على الرغم من ذلك، تبقى إشكاليّة أخرى:

إذا باتت روسيا وفنزويلا تجدان صعوبة في تعزيز علاقتهما الاقتصاديّة وفقاً لروزنتال فهذا يحوّل مركز ثقل العلاقة إلى الجانب "الهشّ". في كانون الثاني الماضي، أصدر هَس دراسة في معهد أبحاث السياسة الخارجيّة يشرح فيها أنّ هدف موسكو الأوّل في فنزويلا هو حماية مصالحها الاقتصاديّة عوضاً عن أن يكون تعزيز قوّتها الاستراتيجيّة. بحسب رأيه، مع تطوّر الأزمة الحاليّة، ستعطي روسيا الأولوية لمصالحها الاقتصاديّة، والنفطيّة خصوصاً، على حساب مصالحها الجيوسياسيّة.

هل دخلت موسكو سباقاً مع الوقت في فنزويلا لتفادي تأذّي مصالحها الاقتصاديّة والاستراتيجيّة معاً؟ وهل حثّه لمادورو على استئناف المحادثات هو رسالة روسيّة إلى الأميركيّين للتفاوض حول النفوذ المشترك في فنزويلا؟ وإن صحّ ذلك فكيف سيقابل الأميركيّون هذه الرسالة؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم