مهما تكن نتيجة القمّة الأمميّة للمناخ... "الاستسلام ليس خياراً"

ونقل موقع المنظّمة الأمميّة أبرز نتائج التقرير الذي وجد أنّ السنوات الخمس الماضية هي الأحرّ على الإطلاق وأنّ كتل الجليد لا تزال تنخفض الأمر الذي يعمل على تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة نسبة حموضة مياهه. وفي سنة 2018 نمت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ووصلت إلى رقم قياسيّ بلغ 37 مليار طنّ في الغلاف الجوي. وشرح التقرير أنّ مخاطر تخطّي نقاط التحوّل الحرجة تزداد بحيث إذا تمّ تجاوزها ستؤدّي إلى تغييرات بعيد المدى أو تغييرات مفاجئة و/أو لا رجعة فيها.

"أقسى وأسرع"

تسارع ارتفاع الحرارة يبلغ وتيرة غير مسبوقة. وجد التقرير أنّ ارتفاع حرارة الأرض منذ سنة 1850 بلغ 1.1 درجة مئويّة، لكن بين سنتي 2011 و 2015 ارتفعت الحرارة 0.2 درجة مئويّة. وبين 2015 و 2019 ارتفعت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 20% عن السنوات الخمس السابقة.

وكانت وتيرة ارتفاع مياه البحر بلغت معدّل 3.2 ميلّيمتر سنويّاً منذ سنة 1993. لكن منذ 2014 وحتى اليوم، وصل الارتفاع إلى 5 ميلّيمترات سنوياً. ومن 2007 وحتى 2016 كان المعدّل 4 ميلّيمترات سنويّاً. وهذا يظهر بوضوح المنحى التصاعديّ لارتفاع مستوى البحار بسبب ذوبان جليد القطبين. ويرى الخبراء المناخيّون أنّ آثار التغيّر المناخيّ ستضرب الأرض بشكل "أقسى وأسرع" ممّا رسمته التقديرات السابقة.

مضاعفة الجهود من 3 إلى 5 مرات

تتزامن قمّة الأمم المتّحدة للعمل المناخيّ مع استمرار الحرائق في غابات الأمازون، وهو ملّف علق في تشابك الاتّهامات السياسيّة والشخصيّة المتبادلة بين فرنسا والبرازيل. ودفع الخلاف الرئيس البرازيليّ جاير بولسونارو إلى رفض 20 مليون دولار من مجموعة السبع في بياريتز الفرنسيّة. ولن تحضر البرازيل جلسات العمل التي شدّد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس على ضرورة أن تكون جلسات للأفعال لا للكلمات. وبطبيعة الحال، ستكون الولايات المتّحدة غائبة عن الاجتماع.

كانت اتّفاقية باريس للمناخ قد جسّدت تعهّداً من الدول الموقّعة للعمل على إبقاء ارتفاع درجة الحرارة أدنى بكثير من درجتين بحلول 2030. لكنّ المسار الحاليّ لا يدعو إلى التفاؤل بهذا الخصوص. يتطلّب التوصّل إلى هذا الهدف قطع انبعاثات غازات الدفيئة ب 45% سنة 2030 مع وقف الدعم المقدّم للوقود الأحفوري وحظر مصانع الفحم الحجري بعد سنة 2020. وإذا أراد العالم النجاح في إبقاء ارتفاع الحرارة عند الدرجتين يجب مضاعفة الجهود ثلاث مرّات، وخمس مرّات في حال وجود نيّة لإبقائها عند حدود 1.5 درجات.

ملايين الشباب يتحرّكون

يوم الجمعة الماضي، أطلق الملايين من الأشخاص حول العالم ومعظمهم من فئة الشباب مظاهرات لدعم التحرّك الأمميّ من أجل مواجهة التغيّر المناخيّ. وبذلك، ربّما شهد العالم أضخم مظاهرات مناخيّة على الإطلاق. قدّر منظّمو هذه الحملة أنّ 1000 مدينة حول العالم استضافت 4 مليون متظاهر. لكنّ مجلّة "كوارتز" الأميركيّة أجرت إحصاءات خاصّة ووجدت أنّ مجموع المتظاهرين فاق مليون شخص. ومع ذلك، يمثّل كلا الرقمين ارتفاعاً عن مظاهرات مناخيّة سابقة بما فيها مسيرة الشعب المناخيّة سنة 2014 والتي شارك فيها حوالي 600 ألف متظاهر.

وبحسب إحصاءات المجلّة، حلّت نيويورك في المرتبة الأولى مع 300 ألف متظاهر ثمّ برلين ب 270 ألف ثمّ لندن وملبورن ب 100 ألف. والبارز أنّ باريس التي تعمل على حشد الجهود الدوليّة من أجل مكافحة التغيّر المناخيّ وحماية غابات الأمازون لم تحشد سوى 9400 شخص وقد حلّت في المرتبة العشرين. بينما كان للولايات المتّحدة وأوستراليا وألمانيا حصّة الأسد من حيث أكبر عدد من المدن المشاركة في هذا الحدث.

من جهته، كان موقع "فوكس" الأميركيّ قد نقل عن منظّمة 350.org المشاركة في تنظيم هذا الحدث قولها إنّ 40 ألف شخص فرنسي شاركوا في الحملة و 100 ألف في لندن و 330 ألف في أوستراليا و 1.4 مليون في ألمانيا و 10 آلاف في تركيا وعشرات الآلاف في مدن أخرى. لكنّ الموقع طلب من قرّائه التعامل بحذر مع هذه الأرقام لكونها صادرة عن المنظّمين.

جائزة سفير الضمير

على أيّ حال، تبقى نتيجة المشاركة مرتبطة بقدرتها على حثّ الجهود الأمميّة لمكافحة التغيّر المناخيّ أكثر من ارتباطها بحجم المشاركة. لكنّ بعض الناشطين البارزين في هذه الحملة المعروفة باسم "مظاهرات يوم الجمعة من أجل المستقبل" غير مستعجلين لتحقيق النتائج في القمّة الحاليّة. ولعلّ أبرز ناشطة في هذا المجال، السويديّة التي أطلقت هذه الحملة غريتا ثانبرغ (16 عاماً)، كانت أوّل من دفعت المشاركين إلى التحلّي بالأمل.

وقرّرت ثانبرغ الامتناع عن الذهاب إلى المدرسة كلّ يوم جمعة بدءاً من آب 2018 والتظاهر أمام البرلمان السويديّ للدفع باتّجاه اتّخاذ إجراءات أكثر جدّيّة لمكافحة التغيّر المناخيّ. وحصلت ثانبرغ الأسبوع الماضي على جائزة سفير الضمير من "منظّمة العفو الدوليّة" وهي أرفع جائزة تقدّمها المنظّمة "تكريماً للأشخاص الذين يظهرون ملكة قياديّة فريدة وشجاعة نادرة في الدفاع عن حقوق الإنسان" وفقاً لموقع المنظّمة.

في حديثها إلى وكالة "أسوشييتد برس"، قالت ثانبرغ إنّها لم تتوقّع مطلقاً القدرة على حشد هذا العدد معبّرة عن سرورها ب "الانتصار" الذي تحقّق. وفي ردّها على سؤالٍ بشأن توقّعاتها من القمّة المناخيّة أجابت:

"يجب أن نتحلّى بالأمل، لكن يجب أيضاً أن نكون مستعدّين لئلّا يصدر شيء عنها. وعندها نحتاج إلى أن نستمرّ مهما حصل. لا يمكن الاستسلام أن يكون خياراً".