مخيّم الهول... نقطة انطلاق جديدة لداعش؟

داعشيات تقتل داعشيات أخرى

على سبيل المثال، وفي أواخر تمّوز الماضي، قُتلت داعشيّة إندونيسيّة حامل في شهرها السادس بعد تعرّضها لضربات وكدمات عنيفة. أتت الحادثة بعد حوالي ثلاثة أسابيع على طعن داعشية حارس أمن من قوّات "الآسايش" وهربت من دون معرفة هويّتها. تتكرّر هذه الاعتداءات بين الحين والآخر داخل المخيّم الذي يؤوي أيضاً عشرات الآلاف من النازحين الذين يعيشون بشكل منفصل على الجهاديّات.

ويبدو أنّهنّ يشكّلن مجتمعاً داخليّاً شبيهاً بما كان يفرضه التنظيم داخل دولته. فقد قتلت داعشيّة حفيدتها لرفضها ارتداء النقاب وتمّ إحراق خيم لنساء أقلّ التزاماً بشروط التنظيم. وكانت نساء داعش قد لعبن أدواراً أمنيّة مهمّة في بعض فروع التنظيم ك "الحسبة" و "كتائب الخنساء". لهذا السبب، لا يقلّ خطر نساء التنظيم اليوم عن خطر مقاتليه. يفرض هذا المخيّم عبئاً كبيراً على "قسد" من حيث المراقبة وفرض الأمن وتوفير الشروط الإنسانيّة في الوقت عينه.



تطالب "قسد" الدول الغربية التي ينحدر منها مقاتلو داعش الأجانب باستردادهم ومحاكمتهم، الأمر الذي تواجهه هذه الحكومات ببرودة شديدة. لكنّ استمرار تنصّلها من المسؤوليّة ليس تأجيلاً للمشكلة وحسب لكنّه أيضاً يفاقمها. بطبيعة الحال، ليست استعادة الحكومات الغربية لمقاتلي داعش أمراً سهلاً بما أنّها تخاف من ترويجهم للتطرّف داخل أراضيها وبالتحديد داخل سجونها. لهذا السبب، تعتقد دول غربيّة أنّ سحب الجنسيّة من هؤلاء المقاتلين الذين يعدّون بالآلاف يشكّل خطراً على أمنها.

من الواضح أنّ الأفكار الإرهابيّة لا تزال منتشرة بين أسرى التنظيم ممّا يبرّر المخاوف الغربيّة. لكن بالمقابل لا تستطيع ترك "قسد" تتدبّر أمرها في التعامل معهم. ودعا الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الخارجيّة في الإدارة الذاتيّة عبد الكريم عمر إلى إنشاء "محكمة خاصة في شمال شرق سوريا لمحاكمة الإرهابيّين". لكنّ هذه المسألة قد لا تكون سهلة قبل التوصّل إلى حلّ سياسيّ في سوريا برعاية الدول الكبرى.


قنابل موقوتة وتمرّد... الداعشيات "وحوش"

في أيّار 2019، صدر تقرير عن "معهد دراسات الحرب" أشار إلى أنّ "قسد" لا تملك الموارد المناسبة لاحتجاز حوالي 11 ألف عنصر مشتبه بانتمائهم لداعش و 63 ألف عضو من عائلاتهم، حيث كان مخيّم الهول وحده يتحمّل ما يفوق سعته بحوالي 30 ألف شخص. وذكر أنّ داعش يؤسّس شبكة داخل المخيّم بعد أن كان زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي قد أمر نساء التنظيم بالاستسلام بشكل شامل قبل انتهاء المعارك في شباط الماضي للتمكّن من اختراق مخيّم الهول. وفصلهنّ عن سائر اللاجئين لا يضمن عدم تسرّب أفكارهنّ إلى تلك المخيّمات لأنّه لا يزال بإمكانهنّ الاختلاط معها. ويبعد المخيّم أقلّ من 50 كيلومتراً عن مدينتي الحسكة والشدادي وهما مركزا إمداد لوجستيّ ل "قسد" والتحالف، كما يمكنه فرض تهديدات على أمن العراق.



من أيّار وحتى آب الماضي، تاريخ نشر صحيفة "ذا غارديان" تقريراً عن المخيّم، لم يتغيّر الكثير على المستوى السياسيّ أو الميدانيّ. وصف الجنرال مظلوم كوباني الوضع ب "القنبلة الموقوتة" مشيراً إلى أنّه حتى مع افتراض استرداد الدول الغربيّة المقاتلين الأجانب، وحتى مع وضع مشكلة نشر التطرف جانباً، سيظلّ المخيّم مشكلة تمتدّ على سنوات. وذكرت الصحيفة وجود 400 عنصر لمراقبة عشرات الآلاف من الأسيرات والنازحين.

وصفت إحداهنّ النساء الداعشيّات بأنّهن "وحوش" وسيحرقن الخيم ويضربن أولاد الأخريات "فقط لأنّهن يستطعن ذلك". وتنقل مراسلة الصحيفة من المخيّم بيثان ماكيرنان التوتّر الذي يشعر به الحرّاس حين كانوا يطلبون من الفريق العجلة خلال الانتقال من قسم إلى آخر، بعدما اندلع تمرّد واسع النطاق منذ ثلاثة أشهر بسبب خلاف خلال جولة تفتيش روتينيّة.


مشكلة أخرى.. وحلول مقترحة

مع تدهور الأوضاع الأمنيّة والصحّيّة والمعيشيّة في المخيّم والمعطوف على انتشار التطرّف داخله، تتوجّه أنظار المراقبين إلى طبيعة الأجيال المقبلة التي ستنشأ فيه. ثمّة أكثر من 1300 طفل من مقاتلين أوروبيين داخل المخيّم، ومرّة أخرى، تجد الحكومات الغربيّة صعوبات في التعامل معهم.

بحسب "نيويورك تايمس" قبلت بعض الدول استرجاع هؤلاء الأطفال لكن من دون تفاصيل عن العدد والزمن. سمحت بلجيكا ل 25 طفلاً بالعودة إلى أراضيها لكن لا يزال هنالك 162 في المخيّم، بينما لن تقبل فرنسا عودة أطفال مقاتلي داعش الفرنسيّين إلا عبر دراسة كلّ حالة على حدة. واسترجعت ألمانيا 15 طفلاً من أصل 300 وهي كفرنسا لا تقبل عودة البالغين. وأظهر استطلاع رأي فرنسيّ أنّ ثلثي الفرنسيّين يعارضون استقبال أطفال المقاتلين في صفوف التنظيم.



مخيّم الهول ليس الوحيد الذي يضمّ أسيرات من داعش أو نازحين. ما ترصده التقارير المختلفة عن العنف الذي تمارسه هؤلاء النساء في المخيّمات واعتقادهنّ الراسخ بأنّ "الخلافة" ستعود يظهر حجم التلكّؤ الغربيّ في معالجة المشكلة.

طرح "معهد راسة الحرب" حلولاً قصيرة وطويلة المدى كي تطبّقها واشنطن وتحضّ حلفاءها على تطبيقها مثل زيادة العمل الإنساني والتمويل والدعم المادي ل "قسد" والأمم المتحدة والمنظّمات غير الحكوميّة. كذلك، شدّد المعهد على ضرورة تأمين واشنطن أنظمة الكشف البيومتريّة وأجهزة تنقية المياه والأدوية وتأمين الاستشارات النفسيّة خصوصاً المرتبطة بصدمات ما بعد الحرب. وحضّ واشنطن على قيادة سياسة موحّدة تجاه مقاتلي داعش الأجانب من بينها تسهيل قيام محكمة دولية أو الاتفاق على استرجاع المقاتلين، بشرط بناء سجون حديثة حتى تحلّ المسألة.

إلى الآن، يبدو الوصول إلى اتّفاق حول قيام محكمة خاصّة أسهل على المستوى النظريّ من ذاك العمليّ. ومع ذلك، تركُ الإدارة الذاتيّة تتحمّل وحدها عبء أسرى مقاتلي داعش ليس خياراً منطقيّاً. في وقتٍ تبحث الدول الغربيّة عن مصير شمال شرق سوريا بعد الانسحاب الأميركيّ المتوقّع، يبقى البحث في مصير مخيّم الهول وغيره من المخيّمات في تلك المنطقة مسألة ملحّة إذا أرادت الحكومات الغربيّة تفادي عودة داعش مجدّداً في المستقبل القريب.