بولفار الانتحار

احمد عياش

الشارع العريض بين حارة حريك وبئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت صار هدفا للعمليات الانتحارية. لهذا الشارع أسم الاستشهادي احمد قصير الذي كان سباقا في العمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي قبل ان يأتي "حزب الله" الى مسرح العمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي للبنان عام 1982. الانتحاريون الجدد اختاروا المكان وهم يجهلون الاسم الذي يحمله الشارع، لكنهم يعلمون انهم يصيبون الحزب الذي يقاتل في سوريا الى جانب نظام بشار الاسد. لا فرق عندهم ان يسقط في الانفجار الذي ينفذه انتحاري واحد بضعة افراد او عشرات طالما انه ومن ارسلوه متأكدون من ان الضحايا هم من قوم "حزب الله". وعندما يأخذون الناس في هذه المنطقة بالجملة فانما ينطلقون من ان كل شيعي هو من اتباع الحزب. واذا ما سقط سنيّ في الانفجار كما حصل في الانفجار الاخير وهو من طريق الجديدة فهذا حدث عارض. فعليا, ما ليس عارضا, هو ان كل من يتحرك في شارع احمد قصير او سواه في الضاحية هو شيعي. لكن لم يخطر على بال المؤسسين لـ"الغيتو" منذ الثمانينات من القرن الماضي ان تصل الامور الى هذا الحد "عندما فرضوا غلبة المذهب الواحد على المنطقة فأزالوا الوانها الاخرى كحالة حارة حريك المسيحية بأكثريتها التي بقي عليها شاهد وحيد هو رئيس البلدية المسيحي. وزيادة في تأكيد هوية بنك الاهداف هذا ان "حزب الله" يسارع بعد كل انفجار الى رفع صور امينه العام فوق الابنية التي صارت شاهدا على الكارثة. وكأنه يقول للانتحاري الذي يستعد للمهمة المقبلة ان زميله الذي سبقه لم يخطئ العنوان. لكنّ من يجول في انحاء الضاحية الجنوبية التي جعلها "حزب الله" معقلا يشاهد بنفسه اعلانات لبيع الشقق التي يريد اصحابها بكل تأكيد ان يصبحوا خارج بنك الاهداف هذا مهما كانت التأكيدات بأنهم اذا ما قضوا في الانفجار صعدوا فورا الى السماء التي باتت بدورها "غيتو" يتنازع الانتحاريون والحزب للسيطرة عليه. لو يتعلم السيد حسن نصرالله اللبناني من السيد مقتدى الصدر العراقي الذي انتبه الى ان الخلط بين الشيعة في العراق وبين ايران الامام الخميني سيحولهم الى بنك اهداف فنجح في اظهار عراقية الشيعة فأنقذ جزءا منهم فيما لا يزال قسم منهم في المرمى بفضل ادارة الرئيس نوري المالكي.
في الجنوب نفذ "حزب الله" عملية ضخمة قبل ايام ولم تحرك اسرائيل ساكنا. فقد انجز فريق سينمائي شريطا عن الاستشهادي عامر كلاكش قبالة مستوطنة المطلة. وقد وقع الانفجار السينمائي في وقت واحد مع الانفجار الحقيقي في شارع احمد قصير. لو كان هناك من يريد ان يؤرخ فعلا للعمليات الاستشهادية لقرأ ما كتبه بلانفورد في كتابه "محاربو الله" الذي روى ان القائد الفلسطيني ابو جهاد هو من جهّز سيارة المتفجرات التي قادها قصير بوساطة الحاج عماد مغنية عندما كان في منظمة فتح. حتى في الاستشهاديين هناك انتقائية. في أي حال، لقد صار "حزب الله" في الجنوب ممثلا... وفي سوريا ينغمس في الدم!


ahmad.ayash@annahar.com.lb