مرأب تحت حديقة المفتي خالد... آخر مساحات تلة الخياط الخضراء

بعد تعرّض حرج بيروت للقضم أخيراً حتى وصلت مساحته إلى 250 ألف متر مربع تقريباً، وبعد أن كانت قاربت في ما مضى المليون و200 ألف متر مربع، وفي ظلّ القطع الجائر للأشجار في شوارع بيروت وساحاتها واستغلال ما تبقّى من العقارات الفارغة لتشييد أبنية ومتاجر، ها هي حديقة المفتي الشهيد حسن خالد تتصدّر مطالبات المواطنين والنّاشطين البيئيين والمدنيين لـ"كفّ اليد عنها" وحمايتها.

تعتبر حديقة المفتي خالد، والتي كانت تسمّى "جنينة التلفزيون"، المساحة الخضراء العامة الوحيدة التي تقع بين كلٍّ من تلة الخياط، مار الياس، فردان وعائشة بكار. كما باتت جزءاً من الذّاكرة الجماعية لقدامى المنطقة، وتشبّثت بالنّسيج الاجتماعي لسكان "كركون الدروز" وجوارها. لذلك تعمل الجهات غير الحكومية جاهدة للمحافظة عليها "لما تمثّله من كنزٍ هندسي، ولاستخدام الحجر الرملي المصقول والخاص ببيروت القديمة فيها".

"غافلت بلدية بيروت الناس يوم عيد السيدة"، يقول المهندس والخبير في التصميم المدني عبد الحليم جبر لـ"النهار"، "مستغلّين كونه يوم عطلة رسمياً، لوضع سكّان المحلّة تحت الأمر الواقع". يجزم أنّ "المواقف ليست حلّاً لأزمة السير والسيارات، بل من شأنها زيادة نسبتها لأنها تؤمّن مكاناً لها"، مشيراً إلى أنّ "حلّ الأزمة الأنسب هو انتهاج سياسة تحفيزية للتقليل من استخدام السيارات عبر البحث عن بدائل للسيارات الخصوصية".

وقّع أكثر من 1000 شخصٍ بين خبراء ومهندسين وسكان المنطقة وأهالي بيروت "المهتمين بالسلامة البيئية العامة" عريضة "ضدّ المرأب تحت حديقة المفتي الشهيد حسن خالد"، ورفعت إلى المجلس البلدي أمس. يشدّد النّاشطون على أنّ "هذا المشروع الذي يسرع في إنجازه المجلس البلدي ويسعى لتمويهه عبر نشر شائعة أنّه مجرّد ترميم وتحسين للحديقة، ليس مطلباً لأهالي المنطقة حيث تتوافر المواقف الخاصة وعدادات انتظار السيارات park meter، بل هو مبادرة استثمارية من بلدية بيروت". كما أنّ "صرف قرابة 8 ملايين دولار على مشروع كهذا يعتبر هدراً فادحاً وغير مجدٍ للمال العام". وقد أرفقت هذه العريضة بأخرى وقّع عليها أهالي تلة الخياط / عائشة بكار الإثنين الماضي، وسجلت بقلم بلدية بيروت تحت رقم 1441 بتاريخ 19/08/2019.

يطرح جبر إشكالية الأثر البيئي للمرأب المؤلّف من 4 طبقات ونصف طبقة، والمصمّم لاستيعاب نحو 500 مركبة، إذ يرى أنّ "مرأباً كهذا، مشيّد تحت سطح الأرض، يتطلّب دواخين عملاقة لتهوئة الطبقات السفلية، إذ يدخل بعضها هواءً نظيفاً ويخصَّص الآخر للتخلّص من الغازات المنبعثة من السيارات (أول أكسيد الكربون، أكسيد النيتريك وثاني أكسيد النيتروجين، وغيرها)"، مضيفاً أنّها "ستؤثّر على الهواء الذي يستنشقه زائرو الحديقة والأشجار".

في المقلب الآخر، جاء جواب رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني منافياً لما صرّح به المهندس عبد الحليم جبر ولفيف المدافعين عن البيئة، إذ أكّد لـ"النهار" أنّ "الاستفادة من بعض العقارات لخلق مواقف للسيارات ضمن نطاق بيروت هو جزء من خطة النقل والتنقّل الشاملة، والتي تمثّلت بنشر عدادات انتظار السيارات ووضع دراجات هوائية بتصرّف المواطنين، وهندسة الأرصفة، وغيرها". مشيراً إلى أنّ "قلّة توافر المواقف في المنطقة عائد لانتشار المباني القديمة التي كانت تفتقر للمواقف الخاصة".

وردّاً على تخوّف المهتمين بالسلامة البيئية العامة من قطع الأشجار وموتها في حال تمّ نقلها، أكّد عيتاني أن "المقاول لم ولن يؤذي الأشجار ولن يقطع أيّاً منها، بالأخص الشجيرات غير القابلة للنقل، كما يعمل على نقل الأشجار إلى مشتل خاص بالبلدية لإعادة نقلها لاحقاً، ريثما ينتهي العمل في المرأب". الأمر الذي ينفيه جبر واصفاً الحفر بـ"الهمجي"، إذ "تجرح الجرافات جذوع الأشجار وتقطع شروشها".

وإذ اعتبر البعض أنّ البلدية "غافلت" المواطنين و"وضعتهم تحت الأمر الواقع"، يجزم عيتاني أنّ لا صحة لهذه الأقاويل، "فالمجلس البلدي انتهى منذ مدّة من دراسة المشروع والتخطيط له مع اللجان والجهات المختصّة، وقد استعانت أخيراً بمجلس الانماء والاعمار المولج تلزيم المقاول المناسب".

فيما يشير عدد كبير من التقارير الوطنية والدولية إلى أن لبنان فقد منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، أكثر من 3200 هكتار من الغابات بفعل التمدد العمراني، ما زال استنزاف المناطق الخضراء جارياً، من دون حسيبٍ ورقيبٍ، ومن دون وعيٍ وثقافة، زد على ذلك الحرائق والقطع الجائر للأشجار التي تهدّد البيئة البيروتيّة، مع ما يترتّب عليها من أمراض سرطانيّة وأخرى تصيب الجهاز التنفّسي وجهاز المناعة لدى المواطنين الذين يدفعون الضّرائب مئات المرّات.