جرائم "الشرف" والجرائم الجماعية: قراءة غربية مختلفة

تكثر في الغرب الجرائم الجماعية، أي تلك التي يطلق فيها أحدهم النار فجأة بشكل عشوائي على عدد من الناس، دون سبب واضح. في المقابل، تكثر في "الشرق" جرائم "الشرف"، أي تلك الجرائم التي يقتل فيها أحدهم امرأة قريبة له لاتهامها بإقامة علاقة جنسية غير شرعية.

للوهلة الأولى تبدو هذه الجرائم مختلفة نوعيا ولا صلة بينها وتنبع من محيطين حضاريين مختلفين. لكن لفتني مقالان نشرا في جريدة يومية كندية Le Devoir حول الموضوع، أحدهما كتبته السيدة فرانسين بلتييه بمناسبة اعتداء طليق (آسيوي) على طليقته وإضرام النار فيها في الشارع أمام أولادهما. والآخر كتبه السيد أنطوان روزا تريمب، عالج فيه الجرائم الجماعية في الغرب.

ما كتباه يخلخل الصورة النمطية القاضية بأن الغرب لا يجد سوى الاختلال العقلي تفسيرا لارتكاب جريمة من هذا النوع، بينما يرى مرتكبَ الجريمة إرهابيا بشكل أوتوماتيكي عندما يكون شرقيا. ويخلخل كذلك الاعتقاد السائد في الغرب بأن "جرائم الشرف" هي من اختصاص الشرقيين حصرا.

يناقش الكاتب جرائم القتل الجماعية التي حصلت أخيراً في أميركا، والتي تثير حروبا حماسية لا تنتهي بين "القبائل" المتنافسة حول تحليل دوافعها. أمام كل جريمة يبدي اليسار يأسه لتركيز اليمين على المرض الذهني كسبب وحيد لهذه الهجمات. أما اليمين فيبدي استغرابه من كل تفسير سوسيو ـ سياسي، كالعنصرية المؤسسية (systemique) أو حرية اقتناء السلاح. المؤسف أن هذه المآسي، وبدل أن تثير تفكيرا جديا، تفسح المجال أمام طفوليات وحرب شتائم لا تهدف للفهم، بل لتسجيل النقاط.

تعليقات السياسيين لا تهدف إلا لإرضاء القاعدة الانتخابية أو المتبرعين الأغنياء، ولتسجيل أهداف في عرين السياسة. فعندما يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومساعدوه أن المجازر عمل أفراد "فاقدي الصواب" أو "مجانين"، لا يتعلق الأمر بتشخيص بل بلعبة سياسية لتجنب الحديث عن موضوعين يتجنبهما البيت الأبيض: ضبط السلاح ومسؤوليته في احتدام التوتر العرقي في الولايات المتحدة. في المقابل يجد أشخاص اليسار، أوتوماتيكيا، أي تفسير نفساني، علامة على الانتماء إلى اليمين الشعبوي. لكن القول بانتفاء الدوافع النفسية مناف للمنطق. فما يسمى بالراديكالية الأيديولوجية الكامنة خلف هذه الجرائم، هي ظاهرة نفسية مركبة وجديرة بالدراسة المعمقة.

فكما نعرف أن من ينضمون لجماعات العنصريين المتفوقين البيض أو إلى مجموعات طائفية دينية يتحولون بعمق جراء هذه التجارب؛ ويجري الحديث عن برمجة: فالأيديولوجية النيونازية (أو الدينية) تقلب قيمهم رأسا على عقب وتعيد صياغة علاقاتهم بالآخرين، بالسلطة وبحس العدالة وبمكانتهم في العالم وبهويتهم... وهذا يفسر سهولة تحويل الأطفال والمراهقين، ولماذا تميل الجماعات الطائفية لعزل محازبيها وانتزاعهم من جذورهم كي لا يحتكوا إلا برواية سردية أيديولوجية وحيدة. يمكن لهذا العزل أن يكون جسديا ولكنه في الوقت الحالي افتراضي أيضا: فالإنترنت يتحول لديهم إلى وعاء شبكي معتم ومغلق.

أسباب الراديكالية ودوافعها والمبررات التي تفسر هشاشة بعض الأفراد أكثر من غيرهم تبقى متعددة ومركبة: شعور بالدونية وبـ"لا عدالة" العالم الذي لم يعد مفهوما، فشل في "الاستباق" في الزمن، وكره للذات، وضغينة على الصعيد المهني أو الغرامي، والاكتئاب... فتأتي أيديولوجية العنف لتقدم جميع "الأجوبة" كي تحول كراهية الذات إلى كراهية الآخر. يضاف إلى ذلك سهولة الحصول على الأسلحة النارية ووضعها في المتناول. يصبح وقوع المحظور مسألة وقت فقط. كما يرتبط ازدياد جرائم القتل الجماعية مؤخرا بتقنيات التواصل الجديدة التي تقوم مقام مكبر الصوت للناس الهشين والضعاف أيديولوجيا.

بالمقابل وجدت الكاتبة، في مقالها الذي يدين جرائم "الشرف"، صلة بينها وبين الجرائم الجماعية ووجدت في خلفيتها موقفا معاديا للمرأة من الرجال أنفسهم كما وصّفهم ترامب.

من الطبيعي أن تثير جريمة "الشرف" التي عالجتها الكاتبة الغضب والإدانة، لأنها تذكّر باعتداءات الأسيد، الشائعة بشكل خاص في بعض بلدان آسيا والشرق الأوسط ضمنا وفي انكلترا. أما المشين والحقير في هذا العقاب فهو التشويه، وأكثر منه، الافتراض المنبثق من أزمنة سحيقة، والمستند إلى صور نمطية (Stereotype) لجوجة، يعتبر أن جعبة المرأة تخلو سوى من سهم وحيد: هو جمالها. وعندما ينتزع منها، تصبح خالية الوفاض. فلسان حال الرجل: لا ترغبين بي؟ حسنا، إذن لن تكوني لأحد غيري. ستكونين نكرة ولا شيء. ما هو غير مقبول أيضا، أفكار الرجل الذي يريد تحويل المرأة إلى حفنة من رماد، فيما يحكم عليها بالاستمرار بالعيش.

الفكرة الأساسية التي لفتت نظري عند الكاتبة، انتقادها للفكر السائد وللآراء المسبقة المهيمنة على الغربيين والتي تجعل من جرائم الشرف ومن مبادرات كراهية النساء حكرا على الأجانب، وخصوصا المسلمين بينهم.

تستعين لذلك بنفس المذابح الجماعية والتي تكاد تكون حكرا على البلدان الغنية؛ مستشهدة بمقالة نشرت في واشنطن بوست في 12 صفحة الأسبوع الماضي، نشرت أسماء جميع الضحايا من الأميركيين الذين بلغوا 1196 ضحية، بين 1966 و2019، مظهرة اتساع الظاهرة. وعدا عن أن مرتكبي هذه المجازر هم رجال ومن هواة الأسلحة وأنصارها، تجمعهم أيضا ميزة مشتركة: الضغينة ضد تجاه النساء.

في أكثر من نصف حالات القتل الجماعي الـ 173 التي حصلت في أميركا بين عامي: 2009 و2017، العام الأكثر دموية على هذا الصعيد، كان بين الضحايا شريك أو عضو من الأسرة الضيقة.

مرتكب أول مجزرة في العام 1966، الظاهرة التي ستصبح وباء، لم يحقد فقط على النساء اللواتي حللن مكانه في البوليتكنيك، لكن أيضا على أمه وأخته؛ وكان أول من برهن على وجه القرابة بين المجازر الجماعية وبين كراهية النساء.

آخر تلك الجرائم المماثلة تلك التي جرت في النرويج الأسبوع الماضي والتي تم إيقافها في آخر لحظة، وتسببت مع ذلك بضحية واحدة، حيث وجدت أخت القاتل غير الشقيقة مقتولة في بيت العائلة. وأشار صديق للمشتبه به إلى أنه كان قد أصبح مؤخرا معاديا تجاه النساء وتجاه اللاجئين. والرجل الذي قتل 9 أشخاص في أوهايو في 11 آب الفائت، وهو الأخير في اللائحة في الولايات المتحدة، قتل أخته في المعمعة.

في الحقيقة إن هؤلاء القتلة الجماعيين، هم تعريفا، ذكور يبحثون عن الانتقام "لشرفهم المهان" مثلهم مثل الذكور الشرقيين المتهمين. رجال مبعدون وفي حالة غضب، نرجسيون، ممتلئون بأنفسهم، مقتنعون أنهم يستحقون أفضل مما حصلوا عليه وأنهم عوملوا بشكل مجحف. يبحثون عن استعادة، إذا لم يكن شرفهم، فعلى الأقل موقعهم كرجال أقوياء. وفي الحالتين هي "ذكورية مسمومة" لكاره غرائزي يبحث عمن يحمّله مسؤولية تعاسته وبؤسه وعلى استعداد للتضحية بحيوات آخرين إذا لزم الأمر.

ومن أفضل من النساء كي يتحملن عنهم همومهم وبؤسهم؟ وإذا كان اللاجئون هم المستهدفون الآن، يساعد في ذلك السياق السياسي، فتظل النساء أهدافا سهلة للقتلة من خلال وضعيتهن. من الأسهل دائما أن نطال من هو أقرب وممن يخصنا. إنها العلاقة المضطربة بالنساء، وكراهية النساء الكامنة عند أغلبية هؤلاء الأفراد، ما يفسر لماذا يقوم بمعظم المجازر الجماعية رجال.

يُنشر أيضاً على "الحرة".