سمبوزيوم رباعي ينعش أجواء الحر بالألوان

طرابلس – رولا حميد

أربع جولات فنية في سمبوزيوم واحد أفعمت مناخات طرابلس الصيفية الحارة بفنون تشكيلية من رسوم ونحت، نفذها عشرات الفنانين اللبنانيين، والعرب، والأوروبيين، في جمعية العزم الثقافية - بيت الفن في الميناء، وفي "قرية بدر حسون البيئية"، وموقعين خاصين آخرين، فحولت الاهتمام من هموم اليوم إلى انتعاشة الحلم، والإبداع، والألوان الزاهية.

تعاون على تنظيم السمبوزيوم كل من "منتدى عشاق الفن" - مؤسسه النحات عبد الرحمن محمد، و"منتدى فنانين متحدين"- مؤسسه هيثم حيدر.

ورشة فنية كبيرة حضر فيها 27 فنانا إلى قرية بدر حسون البيئية، وتسعة فنانين إلى بيت الفن، إضافة إلى 24 فنانا في موقعين آخرين خاصين.

في القرية البيئية، رسم الفنانون لوحاتهم في جو خلاب، ومناخ طبيعي انعكست مناظر طبيعية في معظم اللوحات، ومنهم من نحت عدة مناظر على ألواح صابون كبيرة قدمها حسون للفنانين.

وفي بيت الفن ذي الطابع التراثي الجميل من الحجر المحلي، والتشكيل العمراني الجامع لحضارات مختلفة، تمادى الفنانون في مخيلاتهم، مستلهمين بعضاً من مشاهد الموقع، وما يحيط به من جمالات الميناء، عمراناً، وبيئة اجتماعية، وبحرية.

وفي جولة لـ "النهار" على بعض الفنانين المشاركين، لفت ياسر خطار في مهاراته، وانغماسه في لوحة بدا متورطا فيها، يمعن تزيينها بحرفة فنية، وخفة ريشة، يمضي.. ولا يتوقف، ويقول: "أحيانا أدير اللوحة.. وأحيانا هي تديرني.. أبدأ بتصور معين.. ثم تتوضح الصورة كلما تقدمت فيها، وأشعر أن الصورة تبني نفسها بنفسها بواسطتي".

لكن دارين روكز التي تهوى الفن من صغرها، وتعلمته بالخبرة والممارسة، فتبوح بأنها "تُكوِن الصورة في مخيلتها مسبقا، وتبدأ بتنفيذها إلى ان تنتهي الفكرة".

الدكتور خليل كنعان يُدرس الفن في مسقط بعمان، تخرج من العراق، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، يعارك ألوان لوحته ويبدأ كما يقول بـ "إطلاق موجة لونية في اللوحة، ثم أتعقبها، ألواناً وأشكالاً، وهي تفرض تطوراتها، فتتوارد إلى الذهن صور تخرج وحدها، وأرسم منها ما يروق لي، وأوغل فيها عملاً، وضربة من هنا، ولطشة من هناك، متفاعلاً معها، ولا أنتهي".

بدأ كنعان فنه في الابتدائي عندما رسم دجاجة بطلب من المدرسة، فاتهم بنسخها، فأعاد رسمها أمام أعين المدير، فتبناه، وخصص له موقعاً في المدرسة كان دافعه ليتطور في الفن.

فريد معتوق منهمك في خلط الألوان، واللوحة البيضاء أمامه، يرشها بسائل شفاف، ثم يخلط الألوان، كثير من الأبيض، وبعض "الباج" المائل إلى الصفرة، يحمل الريشة، ويخط خطاً عمودياً يجتاح اللوحة من أعلاها إلى أخمصها، ويقول: "أبدأ بأمر ما.. غير محدد.. شيء ما.. ولا أعرف كيف ومتى أنتهي...".

الحلبي المحترف حازم عقيل لا يأبه كثيرا للوحة، ولا تبهره، فله أربعون سنة في ممارسة الفن منذ الخامس الإبتدائي، قليل الكلام، "لا أعرف بداية اللوحة، ولا نهايتها، ولا أعرف متى أنهي العمل.."، يقول بكل وضوح وثقة بالنفس، ويمضي وكأنه يستعير بعضاً من رموز الموقع، ليفعمه بألوان غير متناهية، تحوطه بشفافية متراوحة بين البياض والصفار وقليل من الزرقة. لعبة فنية محكمة تخرج من يديه ولا تفلت في المجهول.

وللفنان العالمي سهيل ماضي رواية مع الفن، فهو بدأه، كما يقول، "من بطن أمي .. قالت لي ستكون فنانا.. ثم تمنى والدي عليّ الهندسة، قلت له لك ما تريد، وأعطيته الشهادة، ثم انتقلت لتحقيق أول إنجاز فني وعدت والدتي به، أن أصبح فنانا، فتركت الهندسة، ولحقت الفن".


بين الفن والهندسة تقاطعات وتناقضات، لكن أبرز ما يختلفان فيه هو القيد الهندسي وقوانينه، وحرية التعبير في الفن، ومن هنا، يقول ماضي، "أعشق الفن لأنه حريتي".

يتخيل ماضي اللوحة، أشكالاً وألواناً، لذلك "يمكنني أن أتركها ساعة أشاء، ثم أعود إليها من حيث توقفت. لا أضيع القماشة، ولا هي تضيعني، وبين المقطع والمقطع أعود إليها مشتاقا لها أكثر".

أهم ما تعلمته من والدتي هو ما قالته لي: "أنت تولد لتعطي السعادة، ولا تنتظر السعادة من أحد.. وسعادة الألوان أهم سعادة".

وأبدت الفنانة فايزة السمروط سعادتها لمشاركتها في الأعمال، ففي السمبوزيوم نتعرف إلى وجوه جديدة، من عرب ودوليين، ونتفاعل معاً، كما نلتقي بمعارف سابقين، ويخلق العمل جوا من الألفة بيننا، قاسمه المشترك الفن، مضيفة أن "جمالية خاصة تعود لمجريات الأعمال، فلكل لمسته، وإحساسه، وما نراه يعكس طبع الفنان، ومن هنا يمكننا القول ان السمبوزيوم كان جميلاً؛ فغالبية الأعمال كانت جميلة، مشعة تعبيرا عن ارتياح الفنانين".

وشرح حيدر عمل منتداه المتركز على السمبوزيوم، وإقامة المعارض الفردية لفنانين أجانب لتعريفهم على طرابلس، وثقافتها، وما تحتويه من جمالات، وغنى، ذاكرا أنه "أقمنا أربع حلقات للسمبوزيوم، واحدة في طرابلس عكست أجواء المدينة، وثلاثة في محيطها، وكانت حلقة "القرية البيئية" مميزة لما أضفته من تزاوج الأجواء الطبيعية، والتراثية النادرة، والقرية عمل بات عالمي الطابع، وما لمسه الفنانون فيها، كان مدهشا نظرا لقوة تأثير البيئة على خيال الفنانين، فانعكست أجواء القرية، كما أجواء بيت الفن في الميناء، في أعمال الفنانين، ولو بطرق غير مباشرة".

في ختام كل يوم، تم تبادل الهدايا التذكارية بين الفنانين، ومركز إقامة السمبوزيوم.