فلا تغرَّنكم لهفة البدايات!

نورهان البطريق

البدايات لا تصنع انبهاراً، ولكن المواقف وحدها تصنع الإعجاب والانبهار، وإلا من أين سيحضر الانبهار ونحن لم نختبر بعضنا البعض، كيف سنتيقّن منه ونحن واقفون عند نقطة البداية ولم نتحرك بعد، فلنَسِر أولاً، ولنتعرض لمتاعب الحياة.

لا تحاول أن تفتعل أحداثاً كي أنبهر بك، ولكن اجعله يتسلل بداخلي حينما أراك تخترق عزلتي في الوقت الذي أحاول فيه أن أختبئ عن أعين الناس، لا تترك لي مجالاً للوحدة، بل حاول ألا تدّخر جهدًا في أن تشاركني إياها إلى أن أستعيد قوتي من جديد. فإن سعيتُ أن أخفي عن العالم الخارجي أمورًا لا أرغب ألا يعرفها أحد، تطلعتَ أنت إليها دون أن أطلب منك؛ أن تحدق بي وأنا في أسوأ حالاتي، فلا تجعلني أشعر بحرج جراء ذلك؛ أن تمدني بقوتك؛ وأن تسعى جاهدًا في سدّ ثغرات خوفي؛ أن ترتب فوضتي؛ أن تساعدني في لملمة ما تبعثر مني في وقت شتاتي؛ أن تذلّل الصعاب حتى تقلّل من عثراتي وتستقيم خطواتي، حينها سأنبهر بوجودك، ولن يقتصر انبهاري على البدايات فحسب، إنما سيزداد أكثر كلما مرت السنون. فطالما أن هناك رصيداً من المواقف التي جعلتني أشعر بالاطمئنان، فهذا كفيل أن يجعل الانبهار يطلّ من عينيَّ طوال الوقت، فالأفعال وحدها القادرة على حماية الانبهار من الانطفاء، ولا دخل للبدايات في الحفاظ عليه من عدمه.

الانبهار لا يولد في اللقاءات الأولى، ولا ينشأ من مكالمات هاتفية أو محادثات إلكترونية، إنما ينبت من تراكمات ومشوار طويل قطعه الآخر من أجل الوصول إليك. هو حالة من الارتياح يحاول أن يحوط بها قلبك، حتى تسمح له فيما بعد أن تفتح له بابه ليكون أحد سكانه، بل أهمّ سكانه على الإطلاق.

هوالاستثناء الذي لا تسري عليه قوانين العامة. هوالباقي، بينما الجميع في زوال مهما أقاموا. هوالنبضة التي لا تحدث في العمر إلا مرة واحدة، بينما تظل النبضات الأخرى في عملها المعتاد. هو الانجذاب الذي يزلزل الكيان، والخطفة التي تربك خلجات القلب، وتعصف بحناياه. هو الصدمة التي لا يمكن أن نعدّ لها مسبقًا، إنما نتلقّاها على حين غفلة، فلا يمكننا أن نفهم ما يحصل لنا من عدم اتزان، وعندما نبدأ في استيعاب كل ما يدور حولنا، ندرك حينها معنى الانبهار الذي يدوم، في الوقت الذي أصبح كل شيء قابلاً للفناء والسراب.