السودان في قلب عقيدة بوتين البحرية

السودان في قلب عقيدة بوتين البحرية
خلال المؤتمر الصحافي لوزيري الخارجية الروسي لافروف والسوداني الشريف في موسكو (أ ف ب)
Smaller Bigger

ربع قرن روسيّ على حكم زعيم الكرملين فلاديمير بوتين، عرفت في خلاله موسكو تغييرات جذريّة في ما يسمّى بالعقيدة البحرية للأسطول الروسي، ومردّ ذلك إلى المعطيات الجيوسياسية التي تصبّ في مصلحة الغريم الأول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة.
عقب الحرب في أوكرانيا، وبعد أشهر قليلة على اندلاعها، أعلن الرئيس الروسي في تموز/يوليو 2022 تعديلاتٍ في العقيدة البحرية، مشدّداً على توسيع البنية التحتية العسكرية في شبه جزيرة القرم والقطب الشمالي.
ونصّت عقيدة بوتين على جملة مسائل أساسية وضرورية للأمن القومي، في ظلّ محاولات واشنطن والناتو السيطرة على محيطات العالم. لذلك طلب بوتين تطوير مرافق إنتاج لبناء حاملة طائرات حديثة، وإيجاد عدد كاف من القواعد ونقاط التمركز خارج حدود روسيا الاتحادية لتموين السفن، واعتبار مضائق الكوريل والبلطيق والبحر الأسود والجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط مهمّة لضمان الأمن القومي لروسيا، إضافة إلى وجود نقاط ضمان لوجستية في البحر الأحمر.

وفي النقطة المتعلّقة بالبحر الأحمر، جاءت الترجمة العملية له قبل أيّام قليلة مع الإعلان عن إقامة قاعدة بحرية روسيّة في منطقة بورتسودان. وهذا الإعلان لا يمكن فصله بأيّ شكل عن التطورات السورية والإطاحة بنظام بشار الأسد، والضبابية التي خلقها الواقع الجديد لمستقبل القواعد العسكرية الروسية، سواء الجوية منها في حميميم أم الأخرى البحرية في طرطوس. وعلى رغم الأنباء التي أشارت إلى نقل جزء مهم من العتاد الروسي إلى شرقي ليبيا، فإن البحر الأحمر يبقى نقطة استراتيجية بالغة الأهمية ومتمّمة لبقاء الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط.
كذلك فإن بناء مثل هذه القاعدة، لا يمكن فصله عن الاهتمام الروسي المتزايد بالقارة الأفريقية، وعن المنافسة التي تشهدها القوى العالمية، وتحديداً الصين والولايات المتحدة، والخروج الدراماتيكي لأوروبا المتمثلة بفرنسا. 

 حلم قديم يتحقق
الإعلان عن التوصل إلى الاتفاقية الروسية - السودانية جاء خلال مؤتمر صحافي مشترك بين وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ، عقب ختام مباحثاتهما في موسكو. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الاتفاق هذا كان قد توصل إليه الطرفان في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، عام 2017، أثناء زيارته مدينة سوتشي، حين سمح لروسيا بوجود أربع سفن حربية، بما في ذلك سفن تعمل بالطاقة النووية، لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد 10 سنوات، على أن تكون لأغراض لوجستية ودفاعية، وألا تشكل تهديداً ضدّ أيّ دولة. لكن كلّ ذلك تعثر بفعل الانقلاب على نظام البشير، ثم الحرب التي لا تزال دائرة حتى اليوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لا سيما أن بيانات الجيش أشارت إلى أن قوات الدعم حظيت بدعم مجموعة "فاغنر"، مما زاد من توتر العلاقة مع موسكو.

ويبدو اليوم أن هذه الغمامة قد أزيلت، إذ أوضح الشريف بعد اجتماعه مع لافروف أنه لا حاجة لاتفاق جديد، لأن اتفاق 2020 لا يزال قائماً، وينصّ على إعطاء السودان في المقابل أسلحة ومعدات عسكرية. 
وتحقيق هذا الحلم الروسي القديم يعني أن هذه القاعدة ستكون أول منشأة بحرية دائمة لروسيا في القارة السمراء، مما يعزّز حضورها الجيوسياسي في هذه المنطقة، التي تشهد تنافساً متصاعداً بين الصين والولايات المتحدة، كما من شأنها أن تعطي موسكو إطلالة على البحر الأحمر مع كل ما يمثل من أهمية عظمى للتجارة العالمية ونقل النفط، خصوصاً بعد كل ما شهده من استهدافات حوثية، وقبل ذلك من القراصنة الصوماليين، لتكون إلى جانب القواعد الأميركية والصينية وغيرها في القرن الأفريقي. 

 

   

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/6/2025 12:01:00 AM
لافتات في ذكرى سقوط نظام الأسد تُلصق على أسوار مقام السيدة رقية بدمشق وتثير جدلاً واسعاً.
المشرق-العربي 12/6/2025 1:17:00 PM
يظهر في أحد التسجيلات حديث للأسد مع الشبل يقول فيه إنّه "لا يشعر بشيء" عند رؤية صوره المنتشرة في شوارع المدن السورية.
منبر 12/5/2025 1:36:00 PM
أخاطب في كتابي هذا سعادة حاكم مصرف لبنان الجديد، السيد كريم سعيد، باحترام وموضوعية، متوخياً شرحاً وتفسيراً موضوعياً وقانونياً حول الأمور الآتية التي بقي فيها القديم على قدمه، ولم يبدل فيها سعادة الحاكم الجديد، بل لا زالت سارية المفعول تصنيفاً، وتعاميم.