السودان ينسحب من نظام عالمي لمراقبة الجوع
علّقت الحكومة السودانية مشاركتها في نظام عالمي لرصد الجوع قبيل صدور تقرير من المتوقّع أن يظهر انتشار المجاعة في أنحاء البلاد، وهي خطوة من المرجّح أن تقوّض الجهود الرامية إلى معالجة واحدة من أكبر أزمات الجوع في العالم.
وفي رسالة بتاريخ 23 كانون الأول (ديسمبر)، أشار وزير الزراعة بالحكومة السودانية إلى أنّها علّقت مشاركتها في نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. واتّهمت الرسالة التصنيف المرحلي "بإصدار تقارير غير موثوقة تقوض سيادة السودان وكرامته".
ومن المتوقّع أن ينشر التصنيف اليوم الثلاثاء تقريراً يفيد بأن المجاعة انتشرت في خمس مناطق في السودان وقد تمتد إلى 10 مناطق بحلول أيار (مايو)، وفقاً لوثيقة اطّلعت عليها "رويترز".
وجاء في الوثيقة "يمثّل هذا تفاقماً وانتشاراً لم يحدثا من قبل لأزمة الغذاء والتغذية، نتيجة الصراع المدمّر وضعف وصول المساعدات الإنسانية".
وأحجم متحدّث باسم التصنيف المرحلي ومقرّه في روما عن التعليق.
وقال رئيس منظّمة غير حكومية تعمل في السودان، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الانسحاب من نظام التصنيف المرحلي قد يقوض الجهود الإنسانية لمساعدة ملايين السودانيين الذين يعانون من الجوع الشديد.
وأضاف "الانسحاب من نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لن يغيّر من واقع الجوع على الأرض. لكنّه يحرم المجتمع الدولي من بوصلته في التعامل مع أزمة الجوع في السودان. وبدون تحليل مستقل، فإنّنا نتحرّك بلا رؤية في عاصفة انعدام الأمن الغذائي هذه".
ولم يستجب دبلوماسي في بعثة السودان لدى الأمم المتحدة في نيويورك حتى الآن لطلب التعليق على خطوة تعليق المشاركة في التصنيف.
والتصنيف المرحلي المتكامل هيئة مستقلّة تمولّها دول غربية وتشرف عليها 19 من المنظّمات الإنسانية الكبرى والمؤسسات الحكومية الدولية.
ويشكّل محوراً رئيسياً في النظام العالمي واسع النطاق لمراقبة الجوع ومعالجته، وهو مصمم لدق ناقوس الخطر بشأن تطوّر الأزمات الغذائية حتّى تتمكّن المنظّمات من التحرّك ومنع المجاعة وانتشار الجوع.
ويتعاون محلّلو التصنيف المرحلي عادة مع الحكومات الوطنية لتحليل البيانات المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي والإبلاغ عن الأوضاع داخل حدود الدولة. وترأست الحكومة مجموعة التحليل التابعة للتصنيف في السودان.
لكن النظام يواجه صعوبات متزايدة في العمل منذ اندلاع الحرب الأهلية في نيسان (أبريل) 2023. وتسبّب القتال بين الحكومة المدعومة من الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في عرقلة جمع البيانات في المناطق التي يسيطر عليها الجانبان.
وخلص تحقيق أجرته "رويترز" في الآونة الأخيرة إلى أن الحكومة السودانية عرقلت عمل التصنيف في تقييم الوضع الإنساني في وقت سابق من العام، ما أدّى إلى تأخير رصد المجاعة في مخيم زمزم للنازحين داخلياً لأشهر عدّة ليضطر البعض إلى أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة.
ووُجهت رسالة أمس الإثنين إلى التصنيف المرحلي ولجنة تقييم المجاعة التابعة له، والتي تتحقّق من صحّة نتائج المجاعة، وفق ما تلقّاها دبلوماسيون.
وتقول الرسالة إن تقرير لجنة تقييم المجاعة المنتظر يفتقر إلى بيانات محدثة عن معدلات سوء التغذية وتقييمات لإنتاج المحاصيل خلال موسم الأمطار الصيفي الأخير. وتقول الرسالة إن موسم المحاصيل كان جيّداً. وأشارت الرسالة إلى "مخاوف جدّية" بشأن قدرة لجنة تقييم المجاعة على جمع البيانات من الأراضي التي تسيطر عليها قوّات الدعم السريع.
وتتجاوز معاناة التصنيف المرحلي حدود السودان. ففي سلسلة من التقارير هذا العام، أفادت "رويترز" بأن السلطات في ميانمار واليمن حاولت أيضاً إحباط عملية مراقبة الجوع العالمية من خلال حجب أو تزوير البيانات التي يتلقاها التصنيف أو تعليق نتائجه.
في ميانمار، حذف التصنيف بالآونة الأخيرة تقييمه للجوع هناك من موقعه الإلكتروني خوفاً على سلامة الباحثين. وذكرت "رويترز" أن ممثّلي المجلس العسكري الحاكم في البلاد حذروا العاملين في مجال الإغاثة من نشر بيانات وتحليلات تظهر أن الملايين في ميانمار يعانون من الجوع بمستويات خطيرة.
في إثيوبيا، لم تتقبّل الحكومة النتائج التي توصّل إليها التصنيف في عام 2021 والتي أشارت إلى أن 350 ألفاً عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد الكارثي، لذلك توقّفت عن العمل مع التصنيف.
ووصف المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر بجامعة تافتس أليكس دي وال خطوة السودان بوقف التعاون مع التصنيف بأنّها "بائسة ومأسوية".
وقال دي وال وهو أحد كبار المتخصّصين في المجاعة "هذا جزء من تاريخ طويل من إنكار حكومة السودان للمجاعة يعود إلى أكثر من 40 عاماً. كلّما حدثت مجاعة في السودان، يعدونها إهانة لسيادتهم، وهم قلقون على كبريائهم وسيطرتهم أكثر من قلقهم على حياة مواطنيهم".
نبض