بعد سقوط نظام بشّار الأسد وسيطرة إدارة العمليات العسكرية على الجزء الأكبر من سوريا، تتجه الأنظار نحو جنوب سوريا، وبالتحديد مناطق السويداء ودرعا، وهي المناطق التي لاقت فصائل المعارضة المقبلة من الشمال نحو دمشق، لمحاولة رسم مستقبل هذه المنطقة من جهة، وكون إسرائيل تنفّذ توغلات إسرائيلية عميقة من جهة القنيطرة وصلت إلى جبل الشيخ الاستراتيجي.

في تقرير اليوم عن الجنوب السوري، سنفصّل الواقع السياسي والمذهبي والاقتصادي لدرعا والسويداء، وخصوصية المنطقتين، فالأولى ذات الأغلبية السنّية تُسيطر عليها مجموعة أحمد العودة، والثانية ذات غالبية درزية تنشط فيها فصائل مسلّحة درزية، أبرزها فصيل "رجال الكرامة"، وسنتطرّق إلى واقع القنيطرة في ظل التقدّم الإسرائيلي ودعوات الانفصال عن سوريا.

كانت درعا مهد الانتفاضة السورية، وانطلقت منها التظاهرات بعد اعتقال النظام السوري مجموعة أطفال، بينهم حمزة الخطيب الذي تحوّل إلى أيقونة. تشكّلت فصائل عسكرية معارضة عديدة منذ عام 2013، غلب عليها الطابع العائلي والعشائري، لكن أبرزها كان فصيل "الشباب السنّة" بقيادة العودة، والذي تألّف من 17 مجموعة قبل فرط عقد عدد من المجموعات.

انقسم فصيل أحمد العودة إلى فريقين عام 2018، حسب ما يروي الكاتب والباحث السوري جمال الشوفي لـ"النهار"، بسبب المصالحة بينه وبين النظام السوري التي ضغطت روسيا لتحقيقها في درعا. "الفريق الأول الذي قاده العودة عقد الصلح وشكّل اللواء الثامن من الفيلق الخامس بتبعية روسية لضمان وجوده بعد تهديده بالترحيل، فيما رفضت مجموعات أخرى المصالحة واتجهت نحو شمال سوريا".

مع إطلاق "هيئة تحرير الشام" عملية "ردع العدوان"، تشكّلت غرفة عمليات الجنوب من معارضين، على رأسهم العودة، كانوا قد انخرطوا بالمصالحات بضغط روسي، وتحرّكوا فسيطروا على مواقع أمنية وعسكرية وتقدّموا فلاقوا إدارة العمليات العسكرية في دمشق. ثم التقى العودة بقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع بعد سقوط الأسد "بهدف التواصل والتنسيق"، حسب الشوفي.

تتجه الأنظار في درعا نحو الحل السياسي المنتظر، وما إذا كانت الفصائل المحلية، وعلى رأسها مجموعة أحمد العودة، ستوافق على حل نفسها تماشياً مع توجهات إدارة العمليات العسكرية وتتماهى مع الرؤى السياسية الانتقالية، كونها لا تتبع مباشرةً لـ"هيئة تحرير الشام" ولا تدور في فلكها كفصائل إدلب، بل معارضة تلاقت مع الهيئة على إسقاط الأسد وتبحث في مستقبل البلاد.

في السويداء، كان الوضع مختلفاًٍ نسبياً. رفض المشايخ والأهالي الانخراط في الحرب الأهلية السورية، لكنهم شكّلوا حركة "رجال الكرامة" عام 2013، كان الهدف منها تأمين الحماية للمنطقة، وفق الشوفي. أغضب القرار الدرزي حينها الأسد الذي أراد موقفاً واضحاً يدعم نظامه سياسياً وعسكرياً، فاغتال قائد الحركة وحيد البلعوس، وفتح مجالاً للفوضى.

منذ صيف عام 2023، اتخذ المزاج الشعبي في السويداء اتجاهاً ضد نظام الأسد، وشهدت ساحات المنطقة تظاهرات مستمرة، وتشكّلت فصائل جديدة مثل "لواء الجبل" وتجمّع "أحرار جبل العرب"، وحسب الشوفي، فإن فصائل السويداء شكّلت غرفتي عمليات بالتزامن مع تقدّم إدارة العمليات العسكرية من الشمال باتجاه دمشق، وسيطرت الفصائل على مواقع تابعة لنظام الأسد واتجهت نحو العاصمة السورية. 

التقى الشرع بوفد من منطقة السويداء، ويتحدّث الشوفي عن كواليس العلاقة بين الطرفين، فيُشير إلى مُحاولات التنسيق بين غرفتي العمليات في السويداء وغرفة العمليات المركزية في دمشق، ولكن العلاقة لم تنتظم بعد وما زالت في بداية الطريق، إلّا أن وفد السويداء أكّد للشرع النيّة لحل الفصائل وتسليم سلاحها وانضوائها في الجيش السوري المفترض.

إلى ذلك، علت بعض أصوات النزعات الانفصالية في الأيام الأخيرة، كان أبرزها في بلدة حضر الدرزية التي طالبت بالانضمام إلى إسرائيل. لكن هذه الأصوات سُرعان ما طوّقتها القيادات الروحية والاجتماعية ومشايخ من السويداء وحضر من خلال مواقف تُشدّد على الهوية السورية، فتبيّن أنها أصوات يتيمة "لا تعبّر عن المزاج السياسي والاجتماعي العام"، حسب الشوفي.

يُذكّر الشوفي بأنها ليست المرّة الأولى التي تُشاع خلالها بعض الأجواء الانفصالية، وينسبها للنظام السوري ومخابراته الذين اتهموا أهالي السويداء بالانفصاليين، لكن مشايخ السويداء كانوا يؤكّدون الانتماء لسوريا، فيما تتحدّث مصادر لـ"النهار" أن الشيخ راتب البصّار الذي ظهر في مقطع فيديو يُطالب خلاله بالانضمام إلى إسرائيل "كان يعمل مع نظام الأسد في الفرقة الرابعة".

اقتصادياً، فإن منطقة جنوب سوريا ليست غنية بالثروات الطبيعية والنفطية على عكس شمال البلاد، وتعيش على الزراعة والصناعة، لكن ما يميّزها وفق الشوفي هو حدودها مع الأردن التي تُشكّل باباً نحو الخليج، ما من شأنه تنمية الدورة التجارية وحركة الترانزيت، وفق الشوفي، الذي يقول إن هذه الحدود عُرفت خلال عهد الأسد بتهريب المخدرات.

أما ما يتعلّق بالقنيطرة، فإن الأهمية الجيوسياسية محورية بالنسبة لسوريا ولإسرائيل، كونها تفصل بين الطرفين. تُريد إسرائيل بسط سيطرتها على المنطقة الحدودية ومعها جبل الشيخ لسببين، الأول إنشاء منطقة عازلة على حدود إسرائيل وإبعاد أي خطر محتمل، والثاني التحكّم بهذه المنطقة ذات المرتفعات الاستراتيجية والتي تمنحها تفوقاً عسكرياً.

في المحصّلة، فإن الجنوب السوري قد يكون نموذجاً سياسياً واجتماعياً فريداً من نوعه في البلاد، وسيكون أمام تحديات كثيرة، في طليعتها رفع مستوى التنسيق مع إدارة العمليات العسكرية لحل الفصائل المسلّحة والاندماج بالدولة، وستكون قيادة الشرع أمام تحدٍ مُشابه لملاقاة هذه المناطق وتعزيز دورها في سوريا الجديدة لتحقيق الاندماج الفعلي.