الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تعليق على مقالة رباب الصدر: خصوصية العنف الجسدي

شبلي ملاّط
A+ A-

تطلُّ علينا المربية الفاضلة والقدوة الإجتماعية الجامعة بحديث يركّز على التصدّي للعنف في عمل فردي وجماعي تَمَثّل تاريخياً بالنسبة لفئات واسعة من المحرومين في لبنان في عمل مؤسسات الإمام الصدر التي حملت رسالتها الست رباب منذ تغييب إمام الوطن في غياهب الظلم القذافية.


والموضوع بأهمية لأنه يفرز المجتمع الى فئتين من الناس باتتا فيصلَ التاريخ الذي نعيشه: أولئك الذين يؤمنون بالعنف سبيلاً لتغيير الآخر، أكان شخصاً أم جماعةً أم دولةً، ومن يعتبر أن اللاعنف وحده وسيلة التغيير. من هنا أهمية إطلالة الست رباب على العنف مفهوماً ومعالجةً. وفي طرحها العام أن "لفظة العنف تعني اعتداءً على الحق"، وأنّ أشكاله كثيرة، وأن معالجته تكون بالتربية أولاً وليس بالقانون. إن استباق العنف بالتربية صائب ومفيد، هذا ليس موضع خلاف. أما معالجة الإعتداء بالتربية فهو ليس كافياً في نظري، بل هو على العموم غير مناسب لأن التربية قد تكون في أحسن الظروف أساسية لاستباق العنف ومنع حدوثه، لكن الضرر يزال، كما يقول الفقهاء، ولا يزال الضرر الناجم عن العنف حالاً حتى المعالجة القانونية، تكون جزائية إذا حصل العنف جسدياً، وتكون مدنيَّة في أحوال شتى في باب المعاملات الانسانية.
فمن ناحية مفهوم العنف، مهمٌ الفصل ما بين "العنف بالضرب والعنف بالكلمة والعنف بالنظرة". وحده العنف بالضرب مفطور على قاعدة اجتماعية ثابتة تُدخل المجتمع في معالجة الإعتداء كطرف تمثّله الدولة في مدعيها العام، بغضّ النظر عن شكوى المعتدى عليه، وتجعل القضاء المرجع الباتّ حتى إذا رفض المتضرر رفع الشكوى أو رجع عنها وأسقطها. أما "العنف الكلامي" فهو موضوع إشكال واسع لا يرتفع الى شأن جزائي إلا استثناءً، ويتصادم بداهة مع حرّية التعبير والحق بنقد الآخر في رأيه واقتناعاته المختلفة.
الأصل في الكلام الإباحة، والمنع استثناء، مما يجعل مقاربة الموضوع فلسفياً بحصره بـ"عنف الضرب"، وعدم توسيع معانيه الى ما هو ليس عنفاً جسدياً إلا استثناء. فتوسيع معنى العنف الى العنف الكلامي أو الأدبي أو الفكري أو الإقتصادي إضعاف لفلسفة اللاعنف الأساسية في المنزل والمدرسة والشارع وما بين الأمم.
هنا أهمية رسالة اللاعنف في حصرها الجسدي بخلاف ما يسمى مجازاً عنفاً أدبياً أو نفسياً أو اقتصادياً، ولا يعالج العنف في حالة الأذى الجسدي المتأتي منه كما تعالج سائر تجلّياته – أقلّه عند أهل القانون . وإن كان عينَ الصحّة أن التربية سبيل درء العنف مهما كانت معانيه الفضفاضة مجازاً، إلا أن التصدّي للعنف كرسالة التاريخ كما رسمه غاندي ومن بنى على إنجازاته، سبيل اللاعنف هذا يعتمد على شرط حصري للمفهوم بالاعتداء الجسدي الملموس، وهو جواب اللاعنف لإنهاء الاستبداد وطوابعه على شتى الأصعدة.
الموضوع هذا ليس فقط نظرياً، فمنطقة الشرق الأوسط أفرزت في ثوراتها القريبة تحدياً عالمياً جديداً، بات اللاعنف إثرها محور الخلاف الأهمّ ما بين الذين يريدون الثورة "سلمية" ومن يعتمد تراثاً مغايراً يقرّ للثورة الحقّ في حمل السلاح واستعماله ضدّ ما يراه اعتداءً عليه.
هنا أهمية مساهمة الست رباب في جعلنا نفكر ملياً في معنى العنف واللاعنف ، وعندي أن الفرق بين العنف الجسدي وسائر الأشكال التي نتطرق اليها فرق اساسي في الفضاء الاجتماعي ، وإن اشتركنا معها في تفوق معالجة العنف بالتربية استباقاً على معالجته بالقانون أصلاَ.


محامٍ

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم