الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ما الذي انطوت عليه إطلالتا جعجع الأخيرتان لراصدي سلوكه وأدائه؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
ما الذي انطوت عليه إطلالتا جعجع الأخيرتان لراصدي سلوكه وأدائه؟
ما الذي انطوت عليه إطلالتا جعجع الأخيرتان لراصدي سلوكه وأدائه؟
A+ A-

إطلالتان إعلاميتان متقاربتان سُجلتا في الايام القليلة الماضية لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أرادهما من حيث الإعداد وكثرة الاضواء مدوّيتين، وشاءهما لافتتين ايضاً من حيث تخصيصهما لقضايا الساعة المحلية حصراً: الموازنة العامة وما تضمّنته من ارقام وبنود ضريبية جديدة وملفات ملحّة في مقدمها قضية الكهرباء وما استجد حولها من كلام او استعيد كلام قيل سابقا عنها.


في نظر الراصدين لأداء زعيم "القوات" والمولجين مراقبة سلوكه السياسي، تُعدّ هاتان الإطلالتان خطوة مفصلية في سياق سياسي ممنهج ومدروس بدقة شرع الرجل في السير على هديه منذ ان صار شريكاً اساسياً في معادلة الحكم الى جانب متقدمين ثلاثة الى الواجهة، هم: "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" و"تيار المستقبل"، وغايته القصوى بلوغ الآتي:
- الانعتاق التام والكلي من "المرحلة الميليشيوية" وما أعقبها. لذا شاء ان يلبس وبصورة نهائية ثوب "رجل الدولة" العالِم بأدق تفاصيلها وخباياها والعارف بحلولها وسبل قيادتها الى صورة الدولة المثالية المتحررة من وزر المشاكل الموروثة والمتراكمة والمتجسدة فساداً واهداراً واداء خدماتياً يتنافى وأبسط مقومات الجودة.
- الايحاء الى من يعنيهم الامر أنه (أي جعجع) قد كفَّ عن اداء دور "القوة الاحتياطية" الجاهزة للرد والمشاغبة والمواجهة ساعة يطلب منها ذلك، وهو الدور الذي اضطلع به سنوات بُعيد اخراجه من سجن اليرزة بموجب عفو خاص.
- الايحاء ايضاً انه عبَر جسر المرحلة الماضية ووضع قدماً على عتبة مرحلة جديدة كل الجدة، يصرف فيها جلّ جهده للانخراط في ورشة بناء دولة القانون التي صارت عنوان المرحلة، وصارت ايضا عنوانا جاذبا مع انطلاق العهد الرئاسي الجديد، وهو بهذا الفعل انما يقدم طلب انتساب عملانياً الى مرحلة سياسية مقبلة تنطوي على مواصفات وقضايا مختلفة تماما عما سبق.
يروي سياسي مخضرم في مجلس خاص انه كان واحداً من الذين زاروا جعجع ابان عُرض عليه ان يكون وزيراً في الحكومة الاولى للرئيس الراحل عمر كرامي عام 1991، وشجعه على تلقف هذا العرض الذهبي قائلا له إنها فرصته الذهبية التي قد لا تتكرر لكي يأخذ براءة ذمة من طرفين لبنانيين. فكان جواب جعجع: لكنهم يحددون حصتنا ويعرضون علينا حقيبة وزير دولة فقط، وهذا استهانة بحجمنا السياسي. فأجابه السياسي اياه بما معناه ان مدلولات توزيرك في هذه المرحلة حاضرا ومستقبلا تتخطى مسألة الحجم. حينذاك، قبل جعجع العرض على مضض، لكنه اوفد من يمثل "القوات" في هاتيك الحكومة (الوزير السابق روجيه ديب) واسقط فكرة العزوف عن المشاركة نهائيا.
وعليه، فالواضح اليوم بحسب الراصدين اياهم، ان جعجع اقتنع ولو متأخراً اكثر من عقدين من الزمن، بضرورة ألا يفوّت هذه المرة فرصة المضي قدما وجديا في رحلة تثبيت نفسه في معادلة الحكم حتى النهايات القصوى، والكف عن اداء دور المشاغب والعزوف عن لعبة احتياطي المشاكسة غب الطلب، تمهيدا للحظة تقوده الى ان يكون القابض الاول على زمام القرار المسيحي.
لاريب ان خريطة الطريق الى هذا المبتغى عند زعيم معراب لم تبدأ من إطلالتَي الأمس القريب، بل بدأ العمل وفقها منذ زمن، وتحديداً منذ ان اتخذ جعجع قراره البالغ الجرأة وكان بمثابة اعلان تمرد وقطع مع مرحلة سياسية استمرت سنوات، وهو قرار وقوفه وراء العماد ميشال عون في معادلة ايصاله الى سدة الرئاسة الاولى، ونسجه في ذلك الحين "تفاهم معراب" مع "التيار الوطني الحر".
في ذلك التفاهم كان جعجع يقلب ولا شك طاولة المعادلات الداخلية السياسية المرسومة حدودها منذ زمن رأساً على عقب ويعلن في الوقت عينه التحرر كليا من قيود وحدود مرحلة والانتقال سريعا الى مرحلة جديدة يكون فيها شريكا لـ "التيار البرتقالي" ودافعاً الى الارتقاء بمؤسسه الى سدة الرئاسة الاولى اعتقادا منه بأن ذلك يمهد له الطريق الى آفاق ارحب قد يكون من بينها الرئاسة التي هي من حصة الموارنة.
من البديهي ان جعجع والراصدين انفسهم يدركون ان دون ذلك الهدف عقبات ومعوقات شتى وحسابات بالغة التعقيد، اولها الاعتراض عليه من صفوف القوى والتيارات الاسلامية وفي مقدمها "حزب الله"، فضلاً عن معوقات في الساحة المسيحية نفسها وكيفية وراثة دور "التيار البرتقالي" والقوى المسيحية الاخرى وما تبقى من زعامات مسيحية تقليدية تكافح بشراسة لتظل واقفة وحاضرة في معادلة تتحول في عجالة.
ولكن اذا كان من حق جعجع الطبيعي ركوب مركب هذه المغامرة، وهو الذي اعتاد مثل ذلك منذ لمع نجمه في قيادة "القوات اللبنانية" ونجح في كسب الرهان على رفاقه، خصوصاً ان تجربة الاشهر الماضية ولاسيما دخوله شريكاً في معادلة الحكم شجعته على المضي قدما، فان السؤال الذي يطرحه الراصدون اياهم هو: هل بمقدور هذا الرجل كسب الرهان هذه المرة والعودة من مغامرته بكسب يباهي به؟
الثابت وفق هؤلاء ان الرجل بات اكثر ثقة بنفسه من اي مرحلة انقضت، فهو يقف اليوم على ارضية صلبة ويمتلك اوراق قوة يتكىء عليها، لاسيما بعدما آلت الى فريقه للمرة الاولى نيابة رئاسة الحكومة وصار له هذا العدد من الوزراء، وتراجعت هجمة خصومه عليه، وهو ما يمكن ان يشجعه على الذهاب الى اهدافه المعلنة والمضمرة على السواء. فضلاً عن عامل قوة مخفي يلهج به كثر في الشارع المسيحي وسواه يتصل خصوصاً بمعادلة البترون الانتخابية. الى ذلك، فالأكيد ان الرجل قد أخذ يزين مواقفه في لعبة التناقضات الداخلية بميزان الذهب، فهو وضع حداً لمواجهته "التطوعية" مع "حزب الله"، لكنه اصر على ان يسجل موقفاً مثيراً للاهتمام لحظة شارك الرئيس سعد الحريري في احتفال "البيال" الاخير في ذكرى 14 شباط، وقال كلاماً يوحي بانه لم يقطع مع 14 آذار. وبالاجمال، ثمة من يرى ان الرجل يقترب اكثر من اي وقت مضى من صفات اللقب الذي يطلقه عليه مريدوه وهو "الحكيم".


ibrahim.bayramannahar.com.lb

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم