الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

قرن في رجل شجاع... محمد البعلبكي كأنه لم يذهب

هالة حمصي
هالة حمصي
قرن في رجل شجاع... محمد البعلبكي كأنه لم يذهب
قرن في رجل شجاع... محمد البعلبكي كأنه لم يذهب
A+ A-

قرن في رجل شجاع، وتحديدا 96 عاما، تاريخ مديد من النضالات والصحافة والقلم الجريء. سيّاف الكلمة، كان نقيب الصحافة محمد البعلبكي (1921- بيروت)، الكلمة التي كانت "تخرج من بين شفتيه كالرصاص"، ويحسب لها حساب. كان حامي الصحافة والصحافيين طوال 33 عاما، وأكثر. هذا الشيخ الأزهري مال قلبه الى "صاحبة الجلالة" سريعا، وبقي مسحورا بها وبناسها حتى أغمض عينيه. هذا العتيق جدا، المُحتَرم والمثقف والمتضلّع من اللغة والدمث وصاحب الكلمة ذات الوقع، عاش طويلا كأنه لم يشخ. وكم مرة ردد "سيفنا والقلم منبت للرجال". بدايات البعلبكي كانت دينية. هذا الشاب الذي تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في كلية المقاصد الإسلامية في بيروت، التحق بالكلية الشرعية (أزهر لبنان اليوم) التي أسسها في الثلاثينيات من القرن العشرين مفتي الجمهورية الراحل الشيخ محمد توفيق خالد. وتلقى دروسه الدينية والادبية العربية 3 أعوام. وخلال تلك الفترة، امّ المسلمين في عدد من مساجد بيروت. "كان يرتدي عمامة وعباءة، كأي شيخ مسلم ملتزم"، يتذكر أحد الأصدقاء القدامى.


الشيخ العاشق
نداء الصحافة سمعه باكرا، واستجاب له بسرور. عشقه الأول. خلال دروسه في الجامعة الاميركية في بيروت، تولى سكرتيرية تحرير مجلة "العروة"، وانضم ايضا الى أسرة تحرير جريدة "الديار" التي أسسها الرئيس تقي الدين الصلح وحنا غصن عام 1941. عام 1942، تخرّج في الجامعة، ونال شهادة في الأدب العربي بامتياز.
وانطلق محمد في عالم الصحافة، وفي الوقت نفسه كان يدرّس التاريخ والأدب العربي في الجامعة الاميركية، حيث مرّت في صفّه شخصيات بارزة، مثل البطريرك اغناطيوس الرابع، غسان تويني، منح الصلح، بهيج طبارة، سعيد فواز، عبد الرحمن الصلح، جبران حايك، العميد أحمد الحاج وغيرهم.
شيخ، صحافي، أستاذ جامعي، "لغة عربية طيّعة بين أصابعه"، "مالك لها"، واثق، يبارز بها "كسيّاف بارع"، "لفظ جميل مع قاف مغلظة"، يقول أحد معارفه القدامى. عندما كان يقف للخطابة أو الكلام، "كانت الكلمات تخرج من فمه كالرصاص". كان خطيبا بارعا. عام 1947، أصدر مع سعيد سربيه الجريدة الاسبوعية "كل شيء"، على غرار الجريدة الأسبوعية المصرية الشهيرة "اخبار اليوم" لصاحبيها علي ومصطفى أمين. واستمرت 4 سنوات.


قائد للقوميين
في تلك الحقبة، لمع أمر جديد في رأسه، ومال اليه قلبه: المبادىء القومية، الحزب السوري القومي الاجتماعي، برئاسة انطون سعادة. "الفورة" القومية سحبته الى صفوفها، مناضلا، قياديا. عام 1949، انتسب الى الحزب، حيث "تعرف الى شخصيات سياسية وصحافية وفكرية وحزبية كبيرة"، وتولى فيه مسؤوليات عدة، وأصبح رئيساً لمجلسه الأعلى في 1960-1961.
مكانته فرضها في الحزب. "كان عاقلا وواسع الإدراك، مرجعا كبيرا فيه"، يقول أحد رفاق الدرب صديقه الياس الديري. وعلى غرار آلاف القوميين، أُوقف هو ايضا على خلفية المحاولة الانقلابية عام 1962، "وتعرّض للتعذيب في زنزانات النظام اللبناني"، على قول الحزب القومي في نعيه. وقد حكم عليه وعلى اعضاء قيادة الحزب بالإعدام.


قصة حب في السجن
زنزانة قاسية، حكم أقسى. ما لم يكن أحد يتوقعه هو أن الحب سيتسلل الى قلب محمد، لينعشه في السجن. كل الفضل يعود الى "الرفيقة" ماغي نصر، شقيقة "الرفيق" جوزف نصر، شريكه في الزنزانة. "كانت تزور شقيقها جوزف للاطمئنان والمؤازرة. وكان محمد هناك. ومع الوقت، تأصلت علاقة حب بين محمد المسلم وماغي المسيحية"، يروي أحد المعارف.
كان الحظ يبتسم للبعلبكي. حكم الاعدام عليه خُفِّض الى المؤبد، قبل ان يصدر عفو عنه. وتوَّج قصة حبه مع ماغي بالزواج عام 1969.


"عميد نقباء الصحافة"
عام 1950، انتسب الى نقابة المحررين، حيث تولّى مناصب قيادية. عام 1951، تملّك جريدة "صدى لبنان" اليومية التي أسسها سجعان عارج سعادة، وبدأ بإصدارها سياسية حرة. وقد أتاح له تملكه مطبوعة الانضمام الى نقابة الصحافة. وقد تدرج فيها، حتى انتُخب نقيباً للمرة الاولى في شباط 1982. وأعيد انتخابه بالإجماع 9 مرات متتالية. في كانون الأول 2011، أعيد انتخابه للمرة الاخيرة... حتى آخر 2014.
"عميد نقباء الصحافة"، كما لُقِّب، أمضى أعوامه الاخيرة مع زوجته الثانية سحر حسين، بعدما توفيت زوجته الاولى ماغي. عُرِف بمواقفه المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير. خلال نحو 33 عاماً نقيبا، بقي ذلك الصوت المرتفع، المندد، المعارض، كلما تعرض أحدهم للصحافيين او حرية الصحافة والتعبير. في مناصرته "النهار" خلال عهد الرئيس سليمان فرنجية، "كان مدافعا شرسا عن "النهار"، على سن الرمح"، يتذكر الديري. النقيب حاز ميداليات وأوسمة عدة، تقديرا له.


[email protected]
Twitter: HalaHomsi

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم