الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

موازنة للعهد لا للسنة المالية

غسان العيّاش
موازنة للعهد لا للسنة المالية
موازنة للعهد لا للسنة المالية
A+ A-

اللبنانيون مهدّدون بخيبة الأمل.
منذ انتظام الوضع الدستوري، نسمع كلاما كثيرا وتنظيرا "منقطع النظير" عن السياسات المالية والضريبية، ولكننا لا نسمع شيئا من الدولة عن خطّتها للخروج من المأزق المالي والاقتصادي المزمن.
انتخاب رئيس الجمهورية بقاعدة سياسية واسعة وتشكيل حكومة توافق وطني لم يمكّنا البلاد، لتاريخه، من اكتساب الثقة اللازمة لانطلاق الاقتصاد، لا في الداخل ولا في الخارج. الوقت لم ينقضِ بعد، ولكن الفرصة الباقية ليست طويلة.
التقويم الأخير لمؤسّسة "موديز" للتصنيف الائتماني عكس نظرة غير ايجابية للبنان، وخصوصا لمالية الدولة، ممّا يؤكّد أن انتظام الوضع الدستوري لم يكن كافيا، حتى الآن، لكسب الثقة بالدولة أو الاقتصاد.



وضع التقرير قوّة الاقتصاد اللبناني في مرتبة "منخفضة"، وأشار إلى ضعف قدرة الدولة أو تصميمها على اتّباع سياسات تضمن تسديد التزاماتها في الوقت المناسب – وهذه إشارة مزعجة. وصف وضع مالية الدولة بأنه "ضعيف جدّا" بسبب الارتفاع الشديد لعبء الدين العام، نتيجة التزامن بين العجز الواسع للموازنة العامّة وتراجع النشاط الاقتصادي. توقّعت المؤسّسة استمرار عجز الموازنة سنتي 2017 و2018 عند مستوى 9% من الناتج المحلي القائم، بسبب استمرار التحويلات إلى "مؤسّسة كهرباء لبنان" والحدّ المرتفع للإنفاق الجاري.



يبدو من المناظرات الكثيفة حول الموازنة والسياسة الضريبية، وسبل تمويل سلسلة رواتب القطاع العام، أن المصالحات والخطوات الناجحة لإنهاء الأزمة السياسية، وإن تمّت بنجاح، لم تمنع البلاد من الغرق في جدالات عاصفة كلما واجهت الدولة استحقاقا يتطلّب قرارات من إحدى السلطات الدستورية.
استعادة الثقة المحلية والخارجية بلبنان ودولته واقتصاده لها شرط أساسي، وهو إفصاح الدولة، "بحلّتها" الجديدة، عن المسار الذي تنوي اعتماده لقيادة الاقتصاد في السنوات المقبلة. بتعبير آخر، إن استعادة الثقة مرهونة بامتلاك السلطات برنامجا جدّيا للسنوات المقبلة، يعد بالنموّ وخلق الوظائف وتفعيل الخدمات وتطهير المالية العامّة ولجم تطوّر الدين العام.
بدل الغرق في جدل مملّ حول كل ضريبة على حدة، أو كل نوع من أنواع النفقات، يجب صياغة برنامج شامل ومقنع للسنوات الخمس المقبلة، أي السنوات الباقية من عهد الرئيس ميشال عون. لم يفصح العهد حتى الآن عن تصوّره لكيفية معالجة المشاكل المتراكمة أو تحقيق الإصلاح ومواجهة التحدّيات.



البرنامج الاقتصادي للعهد، أو توضيح اتّجاهاته المالية والاقتصادية، حقٌّ للعهد وحقٌّ عليه. ومن مصلحة الرئيس أن تتحقّق في عهده انجازات وازنة، لأنه، أيّا تكن صلاحيات الرئيس، فإن تاريخ لبنان الاقتصادي يقسّم بحسب العهود.
وليس صحيحا أن اتفاق الطائف يحرم الرئيس هذا الحقّ. حتى وإن كانت السلطة التنفيذية منوطة بمجلس الوزراء، وهذا مسلّم به، فلرئيس الجمهورية موقع معنوي رفيع يسمح له بالمبادرة في طرح الخطط والمشاريع. ثم إن الرئيس ميشال عون يستند إلى كتلة نيابية وازنة وكتلة وزارية كبيرة، ما يسمح له بالتدخّل بقوّة لاقتراح تصوّره لمسار الدولة في السنوات المتبقيّة من عمر العهد.
العهد، أي الرئيس، لا يستطيع وحده فرض برنامج اقتصادي للسنوات المقبلة لأسباب دستورية، فاعتماد هذا البرنامج يتطلّب موافقة الحكومة ومجلس النوّاب وتعاونهما. ولكننا لا نستطيع في الظرف الراهن التوجّه بهذا المطلب الى رئيس الحكومة، طالما أن عمر الحكومة قصير وينتهي عند إنجاز الانتخابات النيابية، المرتجاة.



البرنامج المطلوب يتّخذ شكل موازنة لسنوات عدّة، وهذا معمول به في الدول التي ترغب في تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية في مدى زمني متوسّط.
بدل الضياع الراهن والغرق في المناقشات المملة حول التمويل الآني للإنفاق، يجب الانصراف إلى إعداد موازنة متوسّطة المدى تظهر الأهداف التي تتعهّد الدولة تحقيقها في السنوات المقبلة، على صعيد معدّلات النموّ والتضخم والبطالة والعجز والدين والإنفاق الجاري والاستثماري.
أخرجوا البلاد من الديماغوجيا القاتلة والخطابات الفارغة وغبار حروب "المعميّات"، واعطوها فرصة للأمل عبر برنامج يتمتّع بالصدقية ويستعيد الثقة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم