الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الحراك الشعبي يستعيد الشارع

المصدر: "النهار"
باسل ف. صالح- ناشط وأستاذ جامعي
الحراك الشعبي يستعيد الشارع
الحراك الشعبي يستعيد الشارع
A+ A-

أعاد مشهد الاعتصام في ساحة رياض الصلح يوم الأحد 19 آذار 2017، لحظات الحراك المدني عام 2015 إلى الأذهان، لكن ضمن شروط واقعية مختلفة. فالاعتصام البارحة كان تحت شعار مباشر تمثّل برفض الضرائب التي باشر مجلس النواب بتشريعها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب المحقة، بالإضافة لوقف الهدر والفساد الذي ينخر بنية الدولة والذي لا ينفع أي علاج جزئي معه، بل هو بحاجة إلى علاج يتمثّل بالمحاسبة وإطلاق يد التفتيش المركزي والقضاء لمحاسبة كافة المرتكبين والفاسدين والمفسدين. فمن غير المعقول فرض #ضرائب جديدة على عموم الشعب اللبناني، وصولاً إلى تهديد كافة مكتسباته، ورفع الضريبة على #القيمة_المضافة التي تمسّ جيوب الناس مباشرةً، دون أن نرى مشهد البارحة وهذه النقمة الشعبية التي لم تتمثل بالجماهير غير الحزبية فقط، بل امتدت، وللمرة الأولى بهذا الشكل، لتشمل جماهير الأحزاب المهيمنة نفسها، والتي تطالها الضرائب دون تمييز بينها وبين أي مواطن آخر.


أما في السياسة، فأتى تحرك البارحة على خلفيات عدة أهمها لا شرعية كل ما يصدر عن مجلس نيابي غير شرعي، ناهيك عن عدم قدرة هذا المجلس التوصّل إلى إقرار قانونٍ جديدٍ للانتخابات وتنامي الكلام على التمديد مرة جديدة، أو على اعتماد صيغٍ مذهبية أو أخرى يتم تفصيلها على قياس القوى المهيمنة في مناطقها، بما يغلق الباب أمام كل القوى الناشئة في هذه المناطق لاسيما القوى المدنية على سبيل تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة. ناهيك عن إغلاق الباب أمام الأحزاب الوطنية غير الطائفية ولا المناطقية، بما يعكس لاشرعية التمثيل بالإضافة للقمع المقنّع لكل الأصوات المعارضة.


 اقليمياً، فإن اللحظة السياسية الحرجة التي يمر لبنان والمنطقة فيها، لا تلعب دوراً معيقاً لأي انتفاضة شعبية كما يرى البعض، بل يمكن أن يكون لها الأثر الايجابي في إطلاقها، ذلك لأن الوضع الاقليمي الضبابييزيد مأزق الواقع اللبناني وقواه السياسية الطائفية المهيمنة، والتي ترتبط بالبلدان الاقليمية والدولية فيزيد واقعها المأزوم الواقع اللبناني سواداً.
وفي السياق، أتى الاعتصام في لحظة تفشي كافة الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تطال الشعب اللبناني في جزئيات حياته ويومياته وعيشه وأمنه وأمانه. خصوصاً أن النظام اللبناني في غيبوبة منذ أكثر من عشرة سنوات، ولم تعد شرائح المجتمع اللبناني تستطيعتحمّل الوضع القائم، ولم يعد بإمكانها السكوت عن كل الارتكابات التي تفلتت من كل القوانين والشرائع.


في ظل كل هذا، نزلت الآف الجماهير إلى الساحة من تلقاء نفسها، ولم تؤدِ الدعوات التي أطلقتها الجمعيات والأحزاب دوراً كبيراً، ذلك لأن تحركات متنقلة كانت قد طالت مختلف المناطق اللبنانية منذ ليل الأربعاء الماضي، من الشمال إلى الجنوب والبقاع وجبل لبنان وبيروت، ومنها تحركات مركزية كان أبرزها التحرك أمام المصرف المركزي،بالإضافة إلى الدعوات الأخرى إلى ساحة رياض الصلح.


إلا أن ما يلفت الانتباه هو تراكم الوعي الاحتجاجي عند بعض المنظمين. فيبدو أن التجربتين السابقتين اللتين شهدهما الشارع اللبناني، ونقصد تجربتي "اسقاط النظام الطائفي" عام 2011 والحراك المتعلق بأزمة النفايات عام 2015، أدتا إلى الانطلاق بروحية جديدة ترى إلى ما هو جامع لمجمل الشعب اللبناني، بهدف استقطاب جماهير الأحزاب الطائفية والمذهبية المهيمنة، وهو ما تمثّل باعتماد سقفٍ منخفضٍ للتظاهر يتمحور حول رفض الضرائب. فمجمل الشعب اللبناني لم يعد يستطيع تحمّل أعباء الوضع القائم وأزماته الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة والخانقة، والتي تزيدها ممارسات أحزاب السلطة بسلوكها غير المعني لا بهموم الناس ولا بحياتهم اليومية، لا بل تزيد صلافة مع مرور الوقت، فنرى أن ضرب القانون عرض الحائط هو المعيار الوحيد المهيمن. فعلى سبيل المثال، نرىالشروع في التعدي على الأملاك البحرية الذي يُمارس في محلة الرملة البيضاء، حيث لا تكترث الشركة المنفذة لمشروع "الايدن روك" لقرار المجلس الأعلى للقضاء القاضي بوقف الأشغال.


هذه وغيرها من الأمور والتفاصيل التي يعيشها الشعب اللبناني، والتي تمتد لتشمل مجمل ما يجري من الجرائم الفردية والأخرى المنظمة، ومن التعديات الكثيرة على واقعه وحياته اليومية. لذلك، يُظهر كل ما سبق أن مجمل فئات الشعب اللبناني، وإن كانت لم تتحرك بجحافلها إلى اليوم، إلا أن الأمر لا يعني أنها راضية، وهو ما تدركه أحزاب السلطة جيداً، تلك التي ترى أنها غير قادرة على ضبط جماهيرها كما في السابق ما انعكس تنصّلاً من مشروع الضرائب الجديدة، لا بل ذهبت أبعد من ذلك من خلال إعادة طرح خطة عمل جديدة تزعم أنها تضع قانون الانتخاب في الخانة الأولى.
في النهاية، من المفترض أن تعي مجموعات الحراك ضرورة كسب المواجهات السياسية عبر التحلي بروحية المناورة، بهدف تسجيل النقاط في السياسة وفي الإعلام، وبهدف الإمعان في إظهار عدم نية القوى السائدة في معالجة أي من المشكلات. بل على مجموعات الحراك العمل على كشف هذه القوى أمام مواطنيها نفسهم أكثر وأكثر.


هذا هو الطريق الوحيد لاستقطاب المزيد من جماهيرهم التي يبدو أنها في طور الانسلاخ، أقله في الواقع الراهن. فبعد استعادة الشارع البارحة، وبعد الجهد الذي ظهر في النقلة النوعية على مستوى الخطاب والممارسة، لم يعد من المسموح الكسب في الشارع والإسراع إلى الإنهزام في الإعلام والسياسة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم