الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يتعامل عون مع رياض سلامة كما تعامل فرنجيه مع الياس سركيس

اميل خوري
A+ A-

هل يتعامل الرئيس ميشال عون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كما تعامل الرئيس سليمان فرنجيه مع الحاكم الأسبق الياس سركيس؟


عندما خسر الياس سركيس معركة رئاسة الجمهورية بفارق صوت واحد أمام سليمان فرنجيه بقي في مصرف لبنان فيما كان كثيرون من خصوم الشهابية يريدون أن تشمل عملية التغيير ملاحقة ضباط "المكتب الثاني" واركان العهد الشهابي. لكن سركيس اعتبر أنه في منصبه يخدم الدولة وليس العهد أو الشخص، وان موقعه في مصرف لبنان يحتم عليه أن يبقى فوق الصراعات السياسية. لذلك فعندما كانت السلطة الامنية تتهاوى ويكاد لبنان ينزلق الى الفوضى، حافظ سركيس على سعر الليرة واستمر في تكوين احتياط مصرف لبنان. ومع ذلك لم ينجُ من الحملات إذ كان هناك من يريده أن يسقط ضحية "كبش فداء" ويخرج نهائياً من دائرة القرار. لكن الرئيس فرنجيه لم يأخذ برأي خصوم سركيس، وقد اتهمه بعضهم بأنه تجاوز المادة 20 من قانون النقد والتسليف التي اشترطت تفرّغ حاكم مصرف لبنان لممارسة وظيفته، وأخذوا عليه أنه ترشح لرئاسة الجمهورية ولم يقدم استقالته، وأنه استغل وظيفته في معركة الرئاسة بالتدخل لدى بعض المصارف لتسليفه عدداً من النواب مبالغ مالية من أجل تأييدهم له، ودعوه الى الاستقالة من الحاكمية. لكن سركيس بقي متسلحاً بحكمة الصمت ولم يدخل في الحرب الاعلامية والسياسية، ولم يستقل، حتى اذا كان لا بد من إقالته فليحصل هذا بأمر من رئيس الجمهورية.
ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية، تصرف سركيس كرجل دولة في نطاق ما يفرضه عليه الواجب حيال رئيس الجمهورية الجديد سليمان فرنجيه الذي لم يلبّ رغبة الانتقام من خصمه في انتخابات الرئاسة، وكان يدعوه أحياناً الى مائدته ليتداول معه الشؤون المالية، وقال بشكل حازم وجازم لخصوم سركيس الذين كانوا يصرون على إقالته: "الياس سركيس كان خصمي في انتخابات الرئاسة لكنه يقوم بواجبه في المصرف المركزي وليس لي مأخذ عليه، فلماذا يجب أن نغيّره؟".
وعندما زار رئيس جمعية المصارف آنذاك جوزف جعجع الرئيس فرنجيه وبحث معه في الوضع المالي والاقتصادي بسبب الحملة على حاكم مصرف لبنان، قال له فرنجيه: "إن حال النقد ممتازة والثقة متوافرة وبقية الكلام حكي جرايد". عندها أيقن جعجع أن سركيس باقِ في موقعه من أجل تأمين الاستقرار النقدي والمالي في وضع سياسي ينذر بالانهيارات.
وفي 8 أيار 1976 حان موعد انتخاب رئيس الجمهورية، وكانت جلسة الانتخاب مقررة في "قصر منصور" فكانت معركة نصاب، إذ أن منظمة التحرير الفلسطينية ضغطت على بعض النواب لعدم حضور الجلسة بعد الخلاف الذي حصل بين الرئيس حافظ الأسد ورئيس المنظمة ياسر عرفات. افتتحت الجلسة بحضور 69 نائباً ومقاطعة 29 نائباً بمرشح وحيد معلن هو الياس سركيس ففاز في الدورة الثانية بـ66 صوتاً ووجدت في صندوق الاقتراع 3 أوراق بيضاء. وفي 22 أيلول 1976 عقدت جلسة قسم اليمين في فندق "بارك شتورة". وبعد القسم توجه الرئيس سركيس الى القصر البلدي في زوق مكايل حيث جرى حفل التسليم والتسلّم بينه وبين الرئيس فرنجيه.
واليوم يقود رياض سلامة مصرف لبنان المركزي منذ 1993 بحكمة وروية ونزاهة واستطلاع الحاضر والتخطيط للمستقبل. وقد انصبت جهوده على تنقية القطاع المصرفي وتنفيذ عمليات الدمج بين المصارف ونجح في ذلك، فشُرّعت الأبواب أمام حركة رؤوس الأموال وتعززت الثقة بالليرة اللبنانية، وجعل المصرف المركزي يتدخل حيث يجب أن يتدخل، وعمد الى شراء سندات خزينة وأدخل لبنان أسواق الأوروبوند ليحصل على ديون بالدولار الأميركي لآجال طويلة ومتوسطة. وشكّل الاستقرار النقدي عاملاً مهماً في اجتذاب الاستثمارات وتعزيز المدخرات الوطنية وتقدم القطاع المصرفي وتحفيزه على التوسع خارج الحدود، فأصبح أكثر القطاعات المصرفية العربية انتشاراً. ولم يكن لينجح في سياسته هذه لولا علاقات التعاون والثقة المتبادلة التي أرساها مع قادة القطاع المصرفي. وظل سلامة مثابراً على تأمين الاستقرار النقدي وضبط التوازن في حركة السوق المالية ودعم الليرة وتأمين استقرار صرفها مقابل العملات الاجنبية. وعمل على رفع قيمة الموجودات بالعملات الأجنبية لدى المصرف وأقدم على دعم القروض المصرفية بفوائد مخفوضة لتحريك النمو عن طريق التسليف للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والافراد، ومدّد مهل سداد الديون (كتاب "النقود والمصارف عبر التاريخ").
هل يتكرر مع الحاكم رياض سلامة في عهد الرئيس عون ما حصل مع الحاكم الياس سركيس في عهد الرئيس فرنجيه فيكون النجاح وحده هو ما يستحق التقدير وليست الوساطات والمحاصصات، ولا السياسات الكيدية؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم