الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

السفراء ينفّذون سياسات دولهم ولا يضعونها!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

وافقت بالتصويت قبل أيام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين ديفيد فريدمان الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل. ويعتبر العامل طويلاً على حل أزمة الشرق الأوسط في الخارجيّة الأميركيّة، والباحث الحالي المُهم في "ولسن سنتر" (Wilson Center) آرون ميلر هذا الاختيار الأكثر إثارة للجدل في تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وربما الأكثر استفزازاً في رأي كثيرين. ذلك أن علاقة فريدمان بإسرائيل شخصيّة وإيديولوجيّة في آن واحد. وقد عبّر عنها ولا يزال بالتزامه الاستيطان اليهودي، وبمشاركته في الاستثمار في مشروعات إنشاء المستوطنات، وكذلك بإيمانه بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. وتسميته سفيراً لدى الأخيرة يعكس إلتزام ترامب تغيير علاقة بلاده بها على نحو جوهري بعد مرحلة الرئيس أوباما الحافلة بالخلافات الحادّة مع بنيامين نتنياهو. لكن ميلر يراهن بالاستناد إلى خبرته الطويلة أن دور فريدمان لن يكون هامّاً ومؤذياً بالمقدار الذي يراه البعض.
ما هي أسباب الرهان المهمّ المذكور؟
هي كثيرة في رأي ميلر وخبراء آخرين في واشنطن لهم تجاربهم الطويلة وخبرتهم الواسعة والمتنوّعة أبرزها ثلاثة. الأوّل أن مهمّة السفراء ليست وضع سياسة أميركا. وهذا يسري على فريدمان رغم صداقته المزمنة لترامب التي ستدفعه إلى البحث عن تأثير عميق له في علاقة بلاده بإسرائيل. ورغم إعلانه بعد انتخاب ترامب وقبل تسلّمه الرئاسة أنه يتطلّع إلى تمثيل بلاده من القدس، فإن مهمّة السفراء تنفيذ سياسات وليس وضعها. ويؤكّد ذلك ضعف الحماسة للإنتقال إلى القدس عند ترامب بعد بدء ممارسته الرئاسة، كما يؤكّده دعوة الأخير نتنياهو من البيت الأبيض إلى التعقّل في موضوع المستوطنات.
والسبب الثاني هو أن فريدمان صوتٌ من بين أصوات عدّة داخل فريق الرئيس ترامب وفي إدارته. وقد يكون الرئيس استشاره في مسائل عدّة لها علاقة بإسرائيل بسبب صداقتهما الطويلة، لكنّه لن يكون بالتأكيد الوحيد الذي سيستشيره في مسائل كهذه من الآن وصاعداً. فهو انتقل من حملة إنتخابيّة للوصول إلى الرئاسة إلى ممارسة فعليّة لها بعد انتخابه. وبصفته هذه يحتاج إلى سماع أصوات عدّة قد يعطّل بعضها صوت فريدمان أو قد يجعله أقل ارتفاعاً وواحداً من مجموعة. وربما يكون وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ركس تيلرسون صوتين متعقّليْن، وكذلك الدول العربية التي يعتمد عليها ترامب في محاولة تنفيذ مقاربته لصنع السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. فضلاً عن أن هناك صهر الرئيس جاريد كوشنر والمستشار الأقرب له الذي يُفترض أن يكون الأكثر أساسيّة في التعامل مع إسرائيل وعمليّة السلام. ربّما يعتقد البعض أن فريدمان قد يُميّز عن أصحاب النفوذ من مستشاري البيت الأبيض لأنه سيكون في إسرائيل وعلى اتصال شبه دائم مع نتنياهو ومسؤولين آخرين في حكومته وخارجها. لكن التجارب خلال العقديْن الأخيريْن أظهرت ميلاً كبيراً عند رؤساء أميركيّين ورؤساء حكومة إسرائيليّين للعمل خارج الأقنية الديبلوماسيّة (السفرائيّة)، ولتسمية مسؤولين كبار في واشنطن والقدس للعمل كقناة اتصال ثانية أو للقيام بالعمل المطلوب. فإدارة كلينتون "ركّبت" خطّاً هاتفيّاً مؤمّناً في منزل رئيس الوزراء إيهود باراك لتسهيل الاتّصال. وطبيعي أن تضعف صدقيّة السفير عندما يتم تجاوزه. في اختصار سيكون ربّما لكوشنر ولرون ديرمِر مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، وهو قريب من إدارة ترامب، دور أكثر تميّزاً من فريدمان.
أمّا السبب الثالث فهو أن الإدارة الأميركيّة لا تستطيع أن تتحمّل عاملاً واحداً على خط العلاقة مع إسرائيل وحتى مع غيرها من الدول. علماً أن السفير فريدمان، الذي سحب أو تراجع أو خفّف بعضاً من مواقفه المتشدّدة في أثناء استماع الكونغرس له قبل تثبيت تعيينه، قد يوافق على أن الاستيطان ليس مساعداً للسلام، وعلى البدء في التفكير في "حلّ الدولتين" كممرٍ لا مفرّ من سلوكه. طبعاً لا بدّ من مراقبة إذا كان سيزور المستوطنات ويستضيف قادة الاستيطان. علماً أنه قد يُبقي عواطفه والتعبير عنها على مستوى منخفض كي لا يعطّل رئيسه إذا نجح في "التوصّل" مبدئيّاً إلى شيء على صعيد التسوية. وعلماً أيضاً أن ترامب قد يفيد منه كقناة لإقناع المستوطنين بـ"الاعتدال". وفي النهاية قد يضطرّ فريدمان إلى ضبط وجهات نظره بدلاً من العمل كمتشدّد وإيديولوجي الاستيطان، وهذا ما فعله أسلافه في إسرائيل.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم