السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كاتيا غرّيرو الحاملة تراث الفادو رسالة حب إلى العالم \r\nوارثة أماليا رودريغز سحرت جمهور "البستان" بأصالة غنائها

مي منسى
كاتيا غرّيرو الحاملة تراث الفادو رسالة حب إلى العالم \r\nوارثة أماليا رودريغز سحرت جمهور "البستان" بأصالة غنائها
كاتيا غرّيرو الحاملة تراث الفادو رسالة حب إلى العالم \r\nوارثة أماليا رودريغز سحرت جمهور "البستان" بأصالة غنائها
A+ A-

الرؤية ظليلة على المسرح، مدروسة بتقنيّات ضوئية ماهرة، رافقت دخول كاهنة الفادو بفستانها الأسود الطويل، إلى المسرح، بالتزامن مع انطلاقة الرباعي العازف على أربعة غيتارات، يحيي إطلالتها بمقطوعة "إنسرتيزا"، موزّعة بين غيتارين من صميم الأرض البرتغالية ولغة شعبها، وغيتار إسباني وباس كلاسيكي. النغم الرقراق الكارج من منبع التراث، دعانا إلى قلب ليشبونة، لنعيش مع كاتيا غرّيرو أسطورة الفادو التي لا يزال إرثها متوقّدا من حناجر ورثتها، حتى إذا ارتفع صوتها، جارحاً، ملتهباً، واليدان مرتفعتان عالياً، تخطّان في الأثير ما استعصى علينا فهمه بالكلمات.
هكذا دخلنا في صلب هذا الفن، الذي لا نزال منذ زمن أماليا رودريغز وفيلمها الشهير "عشّاق نهر التاج"، نتخيّله قصص حب وموت وفراق، وفي الذاكرة "المركب الأسود" يبتعد عن الشاطئ فيما صوتها عالقاً في خلايانا، يغنّي الفراق، جالسة على الشاطئ تكتب على الرمال كلمة وداع. موجعة كانت أماليا رودريغز، تراجيدية. بينها وبين جمهورها مسافة وغموض وحياة سريّة، عكس كاتيا غرّيرو، التي ما إن تستيقظ من غيبوبة أغنيتها، مع آخر كرجة دمعة من الغيتار البرتغالي، حتى تصبح معنا، فتخرج من قلب الظل المحاط بها، ليُرينا وجهها الصبوح وابتسامتها المشرقة، ما في نفسها. تطلّعت إلى الجموع وقالت بصوت مهموس همساً "شكرا"، بلغتنا نحن. كما شكرت تقنيّ الصوت، وخصوصاً المتخصّص بالإضاءة الذي كان مع كل أغنية ينحت لها الإضاءة ظلاّ لها، في إخراج هندسي ماهر، تتحوّل فيه من تراجيدية إلى كوميدية، من عاشقة إلى مستهترة بالحب.
عازفان من بين الرباعي المواكب هذه السيّدة المتفوّقة بحسنها ورقّتها وموهبة الاعتلاء بحنجرتها إلى قمة الأشجار العالية، عرّفت عنهما بكلمات عرفان، بيدرو دي كاسترو وجوواو فيغا، مؤلّفان لهما في ألبوماتها غير لحن وقصيدة. فإلى المعاني التي كان يسكبها الغيتار البرتغالي في نفوسنا، كان لا بد لكاتيا غرّيرو أن تضعنا في أجواء كل أغنية، ليرتد لنا الصوت المحموم مفعماً بوجع الحب حتى وإن قالت: "الفادو ليس تعبيراً عن تراجيديا الإنسان، إنه صوت القلب".
هذه الحاملة تراث الفادو رسالة حب إلى العالم، لم تكتف به غناء بل زوّدته كلمات لشعراء معاصرين، باتت تدعوهم إلى اغناء الألحان التقليدية بكلمات يعيشها الإنسان الحديث. ولم تفشخ عن التقاليد، فصوتها مجبول بصوت أماليا رودريغز، ساهرة على خلوده. فاعترافاً بما سكبته سيّدة الفادو في حنجرتها من نعم، كانت لها أغنية "كويرو كانتار" بقلم أماليا رودريغز ولحن بيدرو كاسترو، مرافقها الآن ومؤلّف ألحان عدة في قائمة "ليلة البستان"، منها "العمليات الحسابية الأربع للحب" التي شارك في تلحينها مع كاتب الكلمات فاسكو مورا، وتقول فيها: "للحب قوة لا تقاوم، فحين نعشق بإمكاننا أن نضيف إلى العملية الحسابية أضعافاً، كما أن عملية القسمة والطرح واردة". وعن الموارب في علاقته مع زوجته، كتبت لها ريتا فيرّو قصيدة "الكذاّب" ولحّنها لها بيدرو كاسترو، وفيما راحت تعرّفنا بكل منظومة ولحن لشاعر وملحّن، توقّفت هنيهات على عتبة بيتها، حيث تعيش قصّة حب كبيرة مع زوجها، أثمرت ولداً وإبنة. للإبنة غنّت من كلماتها وألحانها الفادية، توصيات مفيدة حين تكبر. والحب بالطبع كان الأساس في كل عبارة.
لمَ الخجل من الحب؟ فهل كانت تخفي مشاعرها في أغان كلّها للحب؟ على إيقاع الموسيقى، تهادت كغصن من الوزّال في غزل مع الريح. حتى عندما غنّت معاكسات الحب من قصيدة قدّمها لها استاذ الفلسفة روي مشادو ولحنها جوزي ماركيز، ويعلو صوتها فوق أشواك الحياة، مشلّعاً جريحاً، إلى أن يمضي في تفاؤل فهمنا مقصده من تلاويح ذراعيها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم