السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

المرأة على رادار مُشَوَّش

فيصل القاق - طبيب
A+ A-

كان يوم أمس يوم المرأة العالمي ويحمل لهذا العام شعاراً يدفع باتجاه المساواة وتكافؤ فرص ونسب العمل عن طريق انخراطنا جميعاً في عملية التغيير نحو الشعار: " الجرأة للتغيير"، BeBoldForChange. جاء ذلك على خلفية المسيرة النسائية الضخمة بوجه مسار الانتخابات الأميركية والتي ضاقت بها جادّات واشنطن داعية الى المساواة، وكذلك على يأس منتدى دافوس الاقتصادي الذي أدرك أن ازالة الفجوة الجندرية لن تتحقق قبل عام 2186!!! (وقد تأخذ الف عام أكثر في لبنان). إذن تدعو فكرة يوم المرأة العالمي لهذا العام الجميع من نساء ورجال ومن يُعتبر "خارج التصنيفات" للعمل بأي مجال وبأي إمكانات وضمن الظروف الموضوعية للمساهمة في التغيير نحو الـ 50:50. الدعوة هنا تشبه فعل النضال العالمي والأممي!


لا يستسيغ البعض وجود محطة سنوية للمرأة تهبط بشعاراتها على نساء الارض مستحضرةً احتفاليات موسمية، بينما يرى البعض الآخر فيها مناسبة لرفع الصوت والشعارات وحشد الجهود وابقاء مسألة حقوق المرأة ضمن الأولويات. بين البعضين لا بد من التوقف عند مسائل محددة تستولدها المناسبة. درجت العادة سنويا على انتاج شعار سنوي ليوم عالمي للمرأة يتم تدبيجه على وقع أجندة عالمية مثقلة بقضايا التعليم والتمييز والعنف الجندري والغبن السياسي الاقتصادي والفقر وغيره والتي تترابط في عمقها كما تخبرنا أهداف التنمية المستدامة 2030. أتى الشعار من جوف اليأس وانعدام الفعالية التاريخية ليشمل الجميع ويجعلهم مسؤولين تجاه تحسين واقع الفتيات والنساء فكانت "الجرأة للتغيير". ولكن من يأتينا بالجرأة في عوالم القمع المتزايدة؟
كانت صحة المرأة وسلامتها وكيانها ولا تزال تنوء تحت عبء القضايا الآنفة الذكر؛ فتقرأ مؤشرات وتوجهات لا تبشّر بالخير ولا حتى تدعو الى التفاؤل. تتشابه المؤشرات في بلدان لتتفاوت أو تغيب في أخرى بما فيها لبنان والذي - بالرغم من النضالات المشرّفة المحصورة في موضوع المرأة - لم يصنع شعاراً خاصاً به بيوم المرأة وطبعاً لم يشارك في صنع الشعارات السنوية، بالرغم من إزدحام أجندتنا الوطنية بالعديد من قضايا المرأة. لا ضير في إيصال الصدى العالمي بالصوت المحلي، لكن الغيث أبقى في استنباط قضيتنا الخاصة. لا يستوجب الجهد الجماعي حول مسألة العنف وإقرار قانون رقم 293 حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري الا كل التقدير والثناء، بيد أن الذهاب الى قضايا المرأة فرادى لا يستدعي الا القلق. تتعدد المداخل المؤدية الى تحسين واقع المرأة، من الصحة الى السياسة الى التشريع الى التعليم والعمل، لكن لم ننخرط ابداً في استراتيجية متناسقة متداخلة يرفد جُلّها كلها وتجعل جهودنا أكثر فاعلية وأعمق تأثيراً. قد تكون وزارة الدولة لشؤون المرأة - وهي قيد الإنشاء ونأمل ان لا تبقى كذلك - حاضن ومايسترو لهكذا استراتيجية بالتعاون مع الهيئات والجمعيات المعنية والفاعلة طبعاً، خاصة مع تعدد الجمعيات التي تنشط في هذه المجالات. يُغني تكاثر الجمعيات الحوارات واللقاءات وأدوات التحفيز تجاه ابقاء قضايا المرأة على رادار الاهتمام الوطني (المشوش عليه دائماً)، لكنه قد يُشتّت الجهود ويُضعف القدرات ولا يراكمها تجاه الأهداف المطلوبة.
المسألة الاخرى التي تستولدها المناسبة هي الشعار نفسه: "الجرأة للتغيير"، جاعلاً من المرأة (والآخرين ) شريكاً بالتغيير أو ابعد من ذلك، مُسلّماً بيدها زمام التغيير عن طريق التحلي بالجرأة أو الشجاعة. تتطلب الجرأة/الشجاعة الهادفة الى التغيير قُدرات مكتسبة على أكثر من مستوى، وأحزمة أمان قانونية وأسرية واقتصادية تفيض منها الجرأة والشجاعة للتغيير والوصول الى عدالة اجتماعية تُنصف المرأة لكفاءاتها الذاتية لا لروابط الدم الآتية من سلطة العائلة او أحزان الشهادة.
هنا الحديث عن القدرات والتي أجاد بالحديث عنها الأكاديمي الحائز على جائزة نوبل، آمارتيا سن، القادم الى هارفرد الموقرة من بنغلادش المتواضعة، مؤكداً على اساس وجودها في علة تمكين المرأة وتقدمها، وملهماً بنظريته تلك مؤشرات التنمية البشرية للأمم المتحدة. نسأل في هذا المقام عن القدرات الموجودة عند الفتيات والنساء في بلادنا لقبول او لرفض او الوصول او المناقشة او الحصول او التقرير في ما يتعلق بحياتهنّ الشخصية او الصحية او العاطفية او المالية او الجنسية او السياسية. ولو قمنا فعلياً بهذا الاختبار لوجدنا اختلافات عديدة وتنوع كثير وإجحاف مخز، ولوجدنا ما يدعو الى التفاؤل، وما يعيدنا الى حقائق مريرة أفرطنا في تجاهلها تحت شعار "لا لنشر الغسيل". فهناك ما نقوم به على اختلاف خلفياتنا وظروفنا واهتماماتنا، وهناك ما نقدر فعلاً ان نصل اليه ونستفيد منه، وهنا كل الفرق وكل القياس.
واضحة الحيوية النضالية في مجتمعنا، وواعدة تلك الطاقة المتعلقة بها، والاستمرارية المثابرة نحو الإنجازات. لأجل ذلك كلنا مدعوون لإعادة النظر في رؤيتنا لمقاربة موضوع المرأة، وتقويم نشاطاتنا وجهودنا والفرق المرجو تحقيقه؛ أنشطة اسبوع 8 آذار من هنا يمكن ان نبدأ هذا التمرين. كل عام والمرأة بحال أفضل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم