الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

دولة "على القطعة"؟

نبيل بومنصف
نبيل بومنصف
A+ A-

ستخرج حكومة الرئيس سعد الحريري هذا الاسبوع مبدئيا بما يمكنها من اعلان "انجاز" بإقرار الموازنة بعد انحباس طال أكثر من عقد. تبدو الملامح الواضحة للموازنة الوليدة وكأنها أخضعت لتعديلات ترشيقية في السلال الضريبية التي أثارت عاصفة استباقية شعبية واقتصادية وحتى مصرفية بما يسمح بتمرير المزاوجة الصعبة بينها وبين تمويل سلسلة رتب ورواتب تقتضي رصد نحو مليار و200 مليون دولار. استلزمت رحلة إقرار الموازنة أسابيع من الجلسات الماراتونية لمجلس الوزراء ولا ندري كيف سيستقبلها الرأي العام الداخلي وباي اقتناع بان إنجازا حقيقيا قد رسم علامة تغيير فوق أفق السلطة والدولة. يصعب موضوعيا تجاهل اهمية هذه القفزة ايا كانت صورة الموازنة ولكن وهج الإنجاز يكاد يتبخر امام عواصف متداخلة تثيرها ملفات فتحت على الغارب في مختلف نواحي استعادة حقوق الدولة بما يشكل إبرازا للفساد المعشعش منذ عقود. ثمة مناخ واعد لا شك فيه في هذا الصعود لمناخ يقول بان ثمة من وما سيضع خطا بيانيا جديدا لسلوكيات جديدة في التصدي لمسائل اساسية في تسييب حقوق الدولة عبر التلزيمات والمحاصصات والضغط نحو بداية وضع حد لظاهرة الفساد الناخرة حتى العظام في كل القطاعات. ولكن المحاذير تسابق هذا المناخ لجهة الافتقار الى استراتيجية واضحة متجردة تواكب المد الكلامي الكثيف على هذا الاتجاه التصحيحي. لا يختلف الامر في هذا السياق عن اولويات أخرى أشد الحاحا تبدأ بانعدام الأفق حيال أزمة قانون الانتخاب تحديدا حيث يبرز بقوة اكبر الافتقار الى الحد الادنى من وحدة الحكم بما يثير الخشية الاكبر من التوغل نحو أزمة نظام. تبرز مع تراكم الاولويات امام العهد والحكومة حقيقة لا يمكن طمر الرؤوس حيالها وهي ان الدولة المستعادة لا يكفيها ملء الشغور وحده، اذ ثمة حقبات طويلة من الحرب كان فيها هيكل الدولة مليئا ولو بانقسام عمودي. إقرار موازنة من دون استراتيجية تصحيح مالية جذرية لن يبقي من الإنجاز الا شكليات ولن يضمن هبوب عواصف اجتماعية ومالية واقتصادية على تداعياتها. والمضي في مضغ الكلام عن قانون انتخاب تلهث وراءه القوى السياسية نحو ضمان احتلالها لمواقعها فقط من دون أي تصحيح جذري للتمثيل الحقيقي لن يفتح الا مزيدا من الازمات السياسية والدستورية واستعادة التجارب الخطرة في بلد مفطور على الاشتعالات. والافتقار الاخطر الى استراتيجيات تتصل بواقع تعامل لبنان مع التحديات الاقليمية كما اتضح في الاهتزاز الحاصل مع مسائل وحدانية السلاح والقرار 1701 لن يؤدي الا الى زيادة الأخطار بتحويل لبنان ساحة جديدة للصراعات الاقليمية والدولية. لن يكون ممكنا مواجهة مجمل هذه الأخطار بتعاملات وسلوكيات سياسية "على القطعة" فيما الدولة "الناشئة" تسابق الوقت بأجندات فردية. ترف الانتظار سقط، والاخطر ان يبقى هناك من لا يكتشف سقوطه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم